أبيض الناب ينادي
لؤي محمد لؤي محمد

أبيض الناب ينادي

بدأت حياته ككاتب عام 1893. في تلك السنة كان قد نجح في رحلة تخييم مروعة، فعاد المغامر الصغير ذو الـ 17 عاماً إلى المنزل يخبر والدته عن الإعصار الذي ضرب المخيم. وعندما شاهدت والدته إعلاناً في إحدى الصحف المحلية لمسابقة الكتابة، دفعت ابنها إلى كتابة قصة وتقديمها للمسابقة. ورغم انه لم يتجاوز الصف الثامن، حصل على الجائزة الأولى بقيمة 25 دولاراً، متغلباً على طلاب الجامعات من بيركلي وستانفورد.

إلى الأفكار الاشتراكية

بالنسبة إلى جاك لندن «1876-1916»، كانت المسابقة تجربة افتتاحية، وقرر تكريس حياته لكتابة القصص القصيرة. لكنه واجه صعوبة في العثور على الناشرين. وبعد عدة محاولات في الساحل الشرقي، عاد إلى كاليفورنيا والتحق لفترة وجيزة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، قبل أن يتجه شمالاً إلى كندا للبحث عن ثروة صغيرة على الأقل في سباق حمى الذهب الذي حدث في يوكون.
وفي سن الثانية والعشرين، لم يستطع لندن جمع الكثير من المال. عاد مرة أخرى إلى كاليفورنيا وكان لا يزال مصمماً على أن يصبح كاتباً. أقنعته تجربته في يوكون أن لديه قصصاً يمكن أن يرويها. بالإضافة إلى ذلك، فإن فقره وفقر الرجال والنساء الذين عرفهم دفعه إلى اعتناق الأفكار الاشتراكية.

جيش العاطلين عن العمل

تحدر جاك لندن من الطبقة البرجوازية الصغيرة، تجرع مرارة الحياة، وامتهن أعمالاً مختلفة، من عامل في المصانع، وبحار على متن السفن، وعامل منجم، وقاطع طريق إلى الشرطة البحرية، ومراسلة الصحف.
في عام 1893 عمل بحاراً في فترة كانت البلاد تغلي بالإضرابات العمالية المنددة بالعمل الشاق في السفن والسكك الحديدية ومصانع الكهرباء، وانضم إلى جيش كوكسي للعاطلين عن العمل. كان جيش كوكسي مسيرة احتجاج ضخمة نفذها عمالٌ عاطلون عن العمل من الولايات المتحدة، بقيادة رجل الأعمال جاكوب كوكسي من أوهايو. ساروا في واشنطن العاصمة عام 1894، وهي السنة الثانية من الكساد الاقتصادي الذي دام أربع سنوات والذي كان الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة في ذلك الوقت. وفي عام 1894، قضى 30 يوماً في سجن مقاطعة إيري في بوفالو، نيويورك. وكتب عن العالم الرهيب في السجون الأمريكية.
في عام 1899 بدأ نشر قصصه في مجلة Overland Monthly. وظهرت تجربة الكاتب المحترف الذي يكتب وينشر 1000 كلمة يومياً. وحقق شهرة واسعة ونجاحاً تجارياً مع نشر روايته «نداء البرية» 1903، الرواية التي تحكي قصة كلب يجد مكانه في العالم ككلب زلاجات في يوكون.
نشر جاك لندن أكثر من 50 كتاباً على مدى 16 عاماً، وتحول إلى كاتب وروائي غزير الإنتاج، وسلطت روايته «أهل الهاوية» عام 1903 نقداً قاسياً للرأسمالية وتدور أحداثها في أحياء الصفيح في لندن. كما غطى الحرب الروسية اليابانية عام 1904 في الصحف الأمريكية، وألقى المحاضرات عن مآسي الرأسمالية. وهو من أوائل من انضموا إلى الحركات الاشتراكية الأمريكية في القرن التاسع عشر، إذ كان عضواً في حلقات الاشتراكيين العموميين الذين درسوا البيان الشيوعي وأعمال ماركس، ورشحته المنظمات الاشتراكية لخوض معركة الانتخابات البلدية، وكان يلقي الكلمات الحماسية في الاجتماعات الجماهيرية والنقابية والإضرابات العمالية.

العقب الحديدية

ركّز جاك لندن في كتاباته على أن الصراع الطبقي بين العمال والرأسماليين أمرٌ لا بدَّ منه، وروّج طوال عمره للأفكار الاشتراكية، والثورة العمالية القادمة. وكان ينتقد باستمرار النظام الرأسمالي، ويفضح القوانين اللاإنسانية الجائرة، ويفضح أسس الرأسمالية وجشعها اللامحدود. وكان يدعو إلى الاشتراكية وحماية البيئة. وتناولت كتاباته كلَّها مسألة علاقة الإنسان بالطبيعة، وعلاقة الفرد بالمجتمع. وقد كتب قصص مغامرات أبطالها من الحيوانات، مثل رواية «الناب الأبيض».
أما رواية «العقب الحديدية» والتي جعلت من الكاتب من أكثر الكتّاب شعبية عند العمال والكادحين والمثقفين ذوي الاتجاهات الاشتراكية، فهي تصوير لمستقبل البشرية، ورواية هادفة، تمثل أحداثها ثورة المضطهدين، ونضال العمال الدامي في أمريكا، وتنبأ فيها باقتراب ظهور الفاشية في أوروبا.
وصفت الصحف الأمريكية تلك الرواية بـ «إنجيل الاشتراكية والاشتراكيين»، كتبها جاك لندن عام 1906، وصور حتمية انتصار الاشتراكية وحتمية انهيار الرأسمالية، والصراع الرهيب الذي لا بدَّ أن يدور بين معسكري التقدمية والرجعية، والأساليب الجهنمية التي تلجأ إليها الرأسمالية في صراعها من أجل البقاء، الرأسمالية التي تتطَّلع إلى سحق الطبقة العاملة بالحديد والنار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
955
آخر تعديل على الإثنين, 02 آذار/مارس 2020 13:07