زومبي وحرب الرموز والإشارات
أنتجت مؤسسات السينما العالمية الكبرى «المؤسسات الأمريكية والبريطانية بشكل خاص» عشرات أفلام الرعب الدموية، العنيفة والسخيفة خلال 40 سنة، لتسويق رمز سينمائي خيالي في الأذهان يدعى «زومبي». حيث يظهر بشر يطلق عليهم اسم زومبي، وتنتشر بينهم حمى متوحشة عنيفة لأكل البشر. فما هي قصة زومبي بالضبط؟
زومبي دوس بالماريس
زومبي، اشتهر أيضاً باسم زومبي دوس بالماريس. وهو شخصية هامة في التاريخ الوطني البرازيلي، كونه واحداً من رواد مقاومة الرق والعبودية. خطفه الاستعمار البرتغالي من أنغولا مع أقربائه، فقاد ثورة العبيد في ولاية ألاغواس البرازيلية، وأنشأ مملكة «كويلومبو دوس بالماريس» أو مملكة البرازيل في القرن السابع عشر، وأصبح ملكاً يقاتل الاستعمار البرتغالي والعبودية في سبيل الاستقلال.
كومونات العبيد في كويلومبو
نشأت «كويلومبو» كمجتمعات تحررت من العبودية في البرازيل، وأسسها أفراد من أصل إفريقي «أنغولا» نجوا من العبودية البرتغالية. أرسلت هذه المجتمعات العديد من المحرضين إلى المزارع والبلدات لتشجيع العبيد على التمرد والهرب إلى كويلومبو. في نمط يشبه المحرضين والمناضلين الشيوعيين في القرن العشرين.
لم تقتصر هذه المجتمعات على العبيد ذوي الأصل الإفريقي فقط، بل انضم إليهم سكان البرازيل الأصليون من قبائل الهنود الحمر، والأوروبيون الذين رفضوا الاستثمار العبودي. كما انضمت نسوة أوروبيات إلى هذه المجتمعات، وخاصة نسوة وفتيات تعرضن لاضطهاد الأزواج أو الأقارب. إضافة إلى الجنود البرتغاليين الفارين من التجنيد الإجباري. أي: أصبحت كويلومبو قبلة لجميع المضطهدين، في موقف يشبه كومونات القرن التاسع عشر وسوفييتات القرن العشرين.
ظهرت كومونات كويلومبو بداية سنة 1605، على يد 40 شخصاً من الأفارقة المستعبدين الذين فرّوا إلى التلال الحراجية الكثيفة التي توازي الساحل الشمالي للبرازيل. وأقاموا أول مستوطنة حرة أطلقوا عليها اسم أنغولا جانغا «أنغولا الصغيرة»، والتي ستنمو لتصبح أكبر مجموعة من العبيد الهاربين في الأميركتين «أكثر من 30 ألفاً».
خاضت السلطات البرتغالية معارك عنيفة ضد هذه المجتمعات طوال القرن السابع عشر، وساعد نموذج الكومونة ذاتية الإدارة استمرار المقاومة لمدة طويلة. كما تطورت الكومونة الصغيرة إلى كونفدرالية كومونات تضم 11 بلدة ذاتية الإدارة في الجبال الوعرة والمناطق الحدودية في جميع أنحاء ولايات ألاغواس وبيرنامبوكو.
كانت كويلومبو دولة مستقلة تعتمد على العادات السياسية والدينية الإفريقية إيديولوجياً، ودعمت مجتمعها بوسائل الاقتصاد المختلفة مثل: الزراعة، وصيد الأسماك، والصيد البري، والتجميع، والتجارة، والإغارة على المزارع والمستوطنات البرتغالية القريبة على طريقة روبن هود وصعاليك الجزيرة العربية.
استمرت الحرب بين الاستعمار البرتغالي وكومونات كويلومبو من سنة 1605 حتى سنة 1695، وسقطت هذه الدولة بعد معارك ومجازر دموية ومقاومة بطولية بسبب انعدام توازن القوى في السلاح الحديث والعدد.
يوم المقاومة ضد الاستعمار
يحتفل البرازيليون في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، بيوم المقاومة ضد الاستعمار البرتغالي، لإحياء ذكرى زومبي قائد ثورة العبيد وقائد ثورة الاستقلال البرازيلية الأولى. وفي هذا التاريخ 20 تشرين الثاني من عام 1695 قُتل زومبي وقطع رأسه، وعرض رأسه على رمح لتبديد أية أساطير عن خلوده. ورغم انتهاء حركة زومبي، إلا أنها وضعت الأساس اللاحق لاستقلال البرازيل عن الاستعمار.
يؤدي الناس في هذا اليوم «رقصة الحرب»، وهي طقس قديم يعود إلى زمن ثورة العبيد لتكريم «زومبي» كبطل ورمز ومقاتل من أجل الحرية والذي ما يزال يحظى باحترام البرازيليين حتى اليوم، كما تنتشر تماثيله حتى الآن في البيوت والمناطق التي شملتها ثورته في القرن السابع عشر.
من وزن بوليفار ويوسف العظمة
تخوض الرأسمالية والصهيونية معركة تحطيم رموز الشعوب بوسائل متعددة مثل: السينما، وذلك عبر تقديم رموز وهمية لتحلَّ محل الرموز الحقيقية. وهكذا تحول اسم زومبي من قائد ثورة وبطل في وجدان البرازيليين، إلى اسم يطلق على أكلة البشر في السينما الدموية العنيفة.
زومبي دوس بالماريس، قائد ورمز شعبي من وزن سيمون بوليفار في أمريكا اللاتينية، ويوسف العظمة في سورية، ولا بد من تشويه هذه الصور عالمياً لإحكام السيطرة الفكرية للرأسمالية على شعوب العالم.
كما لم تخلُ هذه الأفلام من الإهانات السياسية للشعب الفلسطيني، عبر الرسائل الصهيونية المختلفة التي اعتادت أن تصور الشعب الفلسطيني كشعب يقبل الخضوع للاحتلال، مثل: مشاهد «حرب الزومبي العالمية».