كايت وينسليت تنسج خيوط الرغبة والشغف
بعدما عوّدنا على السخرية والكوميديا السوداء في أعماله، ها هو السينمائي الكندي الأميركي يذهب في «عيد العمّال» إلى دراما عاطفية أكثر كلاسيكية تذكّر بفيلم «جسور مقاطعة ماديسون».
«عيد العمال» المقتبس عن رواية لجويس ماينار بالعنوان نفسه صدرت عام 2009، يختلف جذرياً عن أعمال المخرج الكندي الأميركي جايسن ريتمن (1977) السابقة التي لا تخلو عادة من حس السخرية أو الكوميديا السوداء كما في فيلمه «البالغ الشاب» (2011). الأخير يروي قصة كاتبة (تشارليز ثيرون) تعود إلى مسقط رأسها بعد تدهور حياتها المهنية والعاطفية لتحاول استعادة حبيبها السابق وتصاب بانهيار عصبي لما تخيب كل توقعاتها.
فيلم يذكّر إلى حد ما بـ«الياسمين الأزرق» (2013) لوودي آلن، وإن كان تجارياً في طريقة تقديمه أكثر منه في مضمونه. لعل هذه واحدة من السمات التي ميزت أعمال ريتمن حتى الآن. رغم خفة اللون الكوميدي الذي تتبناه أعماله، إلا أنّها تحمل بصمات مخرج يتقن بناء الدراما كما في «جونو» (2007) و«في الهواء» (2009) الذي رشّح عنهما لأوسكار أفضل مخرج.
في «عيد العمال»، يخرج ريتمن عن أسلوبه الساخر ليقدم لنا هذه المرة دراما عاطفية أكثر كلاسيكية على نمط «جسور مقاطعة ماديسون» (1995) لكلينت إيستوود. تأتي المصادفة برجل غريب إلى بيت ربة المنزل المطلقة أديل (كايت وينسليت) فيهز سكينة عالمها الصغير المتمحور حول ابنها ويخرجها من وحدتها. بخلاف القصص الخيالية، هذا الغريب ليس أميراً أو فناناً (مصور فوتوغرافي) كما كلينت إيستوود في «جسور مقاطعة ماديسن». إنه مجرم هارب من السجن، لجأ إلى بيتها ليحتمي من الشرطة. رومانسية غير اعتيادية ينسجها ريتمن في هذا العمل بين كايت وينسليت (أديل) وجوش برولن (فرانك) السجين الفار من العدالة. يشكل الاثنان ثنائياً متناغماً على الشاشة، رغم اختلاف أدائهما؛ إذ يبدو كل منهما نقيض الآخر، يرافقهما ابن أديل الذي يراقب بحذر تطور علاقتهما، مستكشفاً بدوره نشوء الرغبة وعالم الجسد. ينجح المخرج في تصوير التفاصيل، وخصوصاً الرغبة التي بدت كأنها لغة الحوار الأساسية التي تصل الأحداث والشخصيات بعضها ببعض، فارضةً منطقها الخاص على هذه القصة الرومانسية التي تبدو غير منطقية في البداية، كما تشرح أديل لابنها في أول الفيلم عن كون الرغبة هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن أحداً وصفه للآخر. كيف تتحول فطيرة الدراق إلى مثلث فرويدي أوديبي تتنازع فيه الرغبات؟ مشهد لا يمكن تصوره مسبقاً، إلا لدى مشاهدة فرانك وهو يعلم أديل كيفية صنع العجينة الهشة لفطيرة الدراق، بينما يهب ابن أديل ليضع يديه بدوره بين أيديهما المغمسة في الوعاء، وهو ينافس فرانك على حب أمه. معركة يعرف أنها خاسرة منذ البداية. ليس هذا المشهد الوحيد الذي يعتمد فيه المخرج على الرمزية، فكأنما هناك دوماً قصتان قيد الحدوث: القصة التي يرويها الحوار أو الأحداث والصورة التي تؤسس لرواية أخرى، ففرانك الذي يتظاهر بتقييد أديل في البداية ويطعمها بيده، (مشهد يتجسد فيه أيضاً ذلك الصمت المشحون بالرغبة كما باقي الفيلم) هو هنا ليحررها من سجنها الداخلي كما يقول لها في نهاية الفيلم: «لقد جئت لأنقذك». تتميّز كايت وينسليت في هذا الفيلم بدور أديل المطلقة التي انعزلت عن العالم الخارجي بعدما أنجبت طفلتها ميتة بعد إجهاضات متكررة. تجسّد الممثلة البريطانية ببراعة ذاك التناقض بين هشاشة شخصية أديل وقوتها الكامنة في شغفها. الدور الذي يتشابه مع أدائها في فيلم «الطريق الثوري» (2008) إلى جانب ليوناردو دي كابريو. الاثنان يجدان في بعضهما المخلص، فرانك الذي قتل زوجته عن غير قصد بعدما دفعها عن السلم إثر اكتشافه خيانتها لها وأنّه ليس أب طفلهما المشترك، وأديل التي تعاقب نفسها على موت كل الأجنة الذين خرجوا من رحمها. بالرغم من البناء النفسي المحكم للشخصيات، إلا أنّ المخرج لا ينجح في الكثير من الأحيان في بناء إيقاع درامي متماسك عبر مونتاج يواكب تطور الأحداث والشخصيات، وخصوصاً في الانتقال من الحاضر إلى الماضي بواسطة تقنية الفلاش باك. نرى مشاهد متكررة من حياة فرانك أو أديل بطريقة توضيحية تنتقص من قوة الدراما أكثر مما تعزّزها.
المصدر: الاخبار