«نوروز» دلالات وعبر
عبد الحليم قجو عبد الحليم قجو

«نوروز» دلالات وعبر

الاحتفال بعيد نوروز ورأس السنة، واحتفالات الربيع، في الحادي والعشرين من آذار، لا يقف عند شعوب الشرق (كرد_ فرس_ أتراك) وأفغان وطاجيك والأقباط الفراعنة، بل يمتد إلى ثقافات وشعوب أخرى كالصينيين، وحتى الأوروبيين ينظمون احتفالات وكرنفالات مع انطلاقة فصل الربيع.

 

أما نوروز، وفي جذوره اللغوية (نو_ روز) فهو عند الكرد يعني اليوم الجديد. حيث الرجال والنساء، كباراً كانوا أم صغاراً، يتزينون باللباس الكردي التقليدي الشعبي، والخروج إلى أحضان الطبيعة، وتُحضر الأطعمة وإقامة الرقصات والدبكات الشعبية الفولوكلورية، وترديد الأغاني، بالإضافة إلى إشعال النيران في قمم الجبال والهضاب.
إن نوروز، كأسطورة وملحمة شعبية تاريخية، يتقاسمها في الجانب التاريخي عدد من شعوب المنطقة. لكن تبقى النكهة الكردية هي الأكثر معنىً وعمقاً إنسانياً، ويمتد جذوره التاريخية إلى أسطورة (كاوا) الحداد والملك (ضحاك).
هذه الأسطورة التي تعرضت لكثير من التحوير والتغيير، واختلفت في تسمية أبطالها وانتماءاتهم العرقية، لكن بقي مغزاها وموضوعها هو هو لم يتغير.
الدلالات
وعندما نفكك ونحلل هذه الأسطورة إلى عناصرها الأساسية نستخلص الدلالات التالية:
_ (ضحاك) ملك ظالم مستبد متجبر، ابتُلي ولُعن بأفعيين على كتفيه، يتغذيان على دماغ الأطفال لتخفيف آلام الملك (حسب الأسطورة) أي: يقتل شعبه ليرتاح وللشفاء.
_ (كاوا) الحداد، شاب قوي ذو بنية جسدية متينة، وبطل لا يرضى الضيم، ضحّى بمعظم أبنائهِ، له مؤهلات قيادية وينتمي إلى بيئةٍ اجتماعية بدائية زراعية، ويقود انتفاضة شعبية بوجه قوى الشر والظلام والطغيان، فالفقراء دائماً وقود المعركة.
_ النار وشعلة نوروز تشير إلى النور والمعرفة والحرية، وعلى هذا فإن الحكاية (الأسطورة) في عمقها وبعدها الدلالي، هي صراع بين الظلام والنور، بين الجهل والمعرفة، بين الهمجية والحضارة، بين الاستبداد والحرية.
الإسقاطات
_ إن احتفالات الشعوب الآرية بهذا العيد، تدل دلالة واضحة على أن هذه الشعوب تجمعها قواسم مشتركة (ثقافات_ حضارات_ وحدة المصير).
_ (كاوا) لم يعتمد على الاستنجاد بالخارج، بل اعتمد على الشعب وقواه الحية (الأطفال_ الشباب)، واختار المقاومة والمواجهة، وقاد المعركة بعد إعداد وتنظيم، وانتصر، وهذا يؤكد على صحة ما قاله تشي غيفارا (الثورة يصنعها مغامر، ويقودها ثوري، ويستغلها انتهازي).
_ إن الرهان على أعداء الكرد التاريخيين (سلاطين الأتراك_ حكام أمريكا) هو رهان خاسر، فأمريكا تخادع وتنافق وتشجع الفوالق الإثنية والطائفية والدينية، ونشر الفوضى الخلاقة (ضرب الكل بالكل) وهذا يذكرنا بقائد الكرد التاريخي (الملا مصطفى البرزاني) الذي قال في وصيته: (لا تثقوا بالأمريكان فإنهم خذلونا).
في الختام، كما انتصر شعبنا على الملك الضحاك قديماً، وكما انتصر في كوباني وشنكال والموصل، قادر أن يقاوم في عفرين الصامدة ضد الغزو التركي الهمجي.
هنيئاً للشعب الكردي في أماكن تواجده بعيد نوروز المجيد.
وهنيئاً للشعوب التي تحتفل بهذا العيد.
وكل عام وأنتم بخير.