الرأسمالية والاغتراب عند دوستويفسكي
كتب الناقد دانييل غرانين عام 1981: «غيرت السنوات الـ 100 الماضية أشياء كثيرة في ذهن البشرية، ولكن أعمال دوستويفسكي مرت عبر كل هذه التحولات دون أن تمنى بخسائر، خرجت منها أكثر حداثة، بل واكتسبت طابعاً عصرياً ملحاً».
مرت 137 عاماً على رحيل فيودور دوستويفسكي في التاسع من شباط عام 1881، وما زالت أعماله تحتل تأثيراً كبيراً على مستوى العالم، وما زالت كلمات الناقد غرانين صالحة لعصرنا.
ربما يعرف مئات الآلاف من القراء دوستويفسكي بصفته روائياً وأديباً، ماذا عن أفكاره الفلسفية التي ما زالت على قيد الحياة في رواياته؟ الأفكار التي تستطيع تفسير بعضٍ من جوانب الحياة المعاصرة في القرن الحادي والعشرين.
يحاول دوستويفسكي في رواياته أن يحمينا من أشخاص ذوي طبيعة نفعية، وهو يعكس إلى حد ما عصرنا في القرن الحادي والعشرين، حيث الأفعال عادة ما تكون ذات طبيعة نفعية، ويبتعد عن الرومنسية الأدبية من خلال تصويره الصراع بين الخير والشر، ويدرس قضايا الوجود والعذاب والشر والحب والجريمة والجنون والأهواء والمنفعة المغرضة وتسليع الحياة.
تكمن العبقرية الفلسفية في أعماله الأدبية، من خلال قدرته على تصوير عذابات الإنسان في ظل الرأسمالية، ويصف ذاك الإغتراب الذي يطحن البشرية من خلال تقديم التفاصيل اليومية لحياة شخصياته التي نسجها بعقل القرن التاسع عشر، وكأنه يصف فيها اغتراب الإنسان في القرن الحادي والعشرين.
ولِد دوستويفسكي في موسكو عام 1821، وبدأ قراءته الأدبية في عمر مبكر، من خلال قراءة القصص الخيالية والأساطير لكتاب روس وأجانب. التحق بمعهد الهندسة العسكرية، وكان يترجم الكتب لتحقيق دخل إضافي.
كتب روايته الأولى «المساكين» في منتصف أربعينيات القرن التاسع عشر، ودخل بذلك إلى الأوساط الأدبية في سانت بطرسبرغ حيث كان يعيش. ألقي القبض عليه عام 1849 لانتمائه لرابطة بيتراشيفسكي، وهي مجموعة سريّة تُناقِش الكتب الفلسفية الممنوعة، فحكم عليه بالإعدام الذي نجا منه في اللحظات الأخيرة. كانت هذه الأحداث قد طبعت شخصية دوستويفسكي الفلسفية التي عرفناها في أعماله الروائية اللاحقة والتي تصف بدقة الاغتراب والرأسمالية وآلام الإنسان.