كرامة لا تتجزأ

كرامة لا تتجزأ

مفهوم الكرامة الانسانية بقدر ما يظهر على أنه بدهي أو مسلّم به، فإنه دون شك مفهوم متشابك ومعقد، ومرتبط بالكثير من المترادفات والمصطلحات المعبرة عن الحاجات والحقوق.

فعندما نقول كرامة انسانية، ربما أول ما يتبادر للأذهان مفاهيم مثل العدالة والحقوق الدستورية والحاجات الفيزيولوجية، والحرية والارادة، والكثير من المصطلحات اللصيقة بالمفردة كمفهوم، والغائصة بها مستقلة عنها ومكملة لها بمدلولها ومفاعيلها.
تكامل
فالدفاع عن الكرامة صفة ملاصقة للإنسان، وقيمة ذاتية تولد معه وتترسخ بوجوده، لتميزه بسمة الوعي والادراك، لذلك عكفت غالبية الدساتير على صون كرامة الانسان باعتبارها حقاً أساسياً تبنى عليه بقية الحقوق، ووضعتها غاية ومرتجى في مواده كلاً وجزأً، ودونت حركة التاريخ الكثير النصوص المحكمة منعاً من هدر الكرامة وصوناً لها.
وعند الحديث عن أن الكرامة الانسانية مرتبطة بالاحتياجات على اختلافها، فإن ذلك يعني ضمناً أنها متغيرة وهي بحركة دائمة وغير جامدة، فبقدر ما تتنامى الاحتياجات الانسانية وتتطور، أو تتراجع متغيرة عن نسق التطور السائد، تتنامى معها متطلبات الكرامة الانسانية، أو تتراجع متقهقرة، وعلى اعتبار أنها مرتبطة بالوعي، فبقدر ما يزداد الوعي موسعاً دائرة ادراكه، بقدر ما تتطور معه الكرامة موسعة من مساحتها وأفقها، مع التأكيد على أن الجانب الاقتصادي المرتبط بالحاجات يعتبر الفاعل الأساسي على مستوى استكمال المفردة والمفهوم، وهو ما لم يحقق عملياً بكافة المجتمعات البشرية حتى الآن، بغض النظر عن كل ما يتم ادعاؤه عكس ذلك، زوراً وتضليلاً، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات بين مجتمع وآخر.

أمثلة مجتمعية مواربة
على ذلك فلا يمكن اختصار مفهوم الكرامة الانسانية المعقد والمتشابك، أو تقزيمه، عبر عبارات مثل: «ازرعها بدقنى» أو «كرمى لي» أو عبر بعض الأمثال والأقوال الشعبية مثل: «امش الحيط الحيط وقل يا رب السترة» أو «الايد اللي ما بتقدر عليها بوسها وادع عليها بالكسر»، وغيرها من العبارات والأقوال، التي ظهرت في مراحل الانكسار، وتعكس في العمق عجزاً عن تأمين الحقوق.  

محرك تاريخي
بناء على ما سبق يمكننا القول أن للكرامة الانسانية وصونها كمفهوم واسع ومتشابك، دور فاعل وأساسي على مستوى حركة التاريخ وتطوره، ولعلنا لا نجافي الحقيقة بالقول أن الكرامة الانسانية والدفاع عنها، كانت، وما زالت، تعتبر لب التحولات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، على اختلاف أشكال هذه التحولات والتغيرات، والتاريخ القديم والحديث يؤكد ذلك عبر الكثير من الأمثلة.

كرامة السوريين
بالحديث عن الواقع السوري، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة، وتداعياتها المتشابكة والعميقة، فقد كان للكرامة الانسانية، من بوابتها الاقتصادية الاجتماعية الدور الأساسي في تفجر الوضع على مستوى الحركة الشعبية بدايةً، بغض النظر عن اتجاه تطور الاوضاع، فقد كان لمجمل السياسات الليبرالية المتبعة الدور الحاسم بذلك، مع ما خلفته هذه السياسات، مع الممارسات التهميشية وضيق مساحة حرية التعبير والحريات العامة، من فرز طبقي ومجتمعي واضح، كان في جذره العميق هدراً لحقوق الكثير من المواطنين وكراماتهم، وهم على ذلك لم يكونوا بحراكهم إلا نموذجاً موضوعياً ممثلاً لحركة التاريخ وتعبيراً عن ضرورتها.
ومع تزايد أعداد النازحين داخلاً، واللاجئين خارجاً، ممن شردوا من بيوتهم ومدنهم، مع فقدان موارد رزقهم، الأمر الذي يعني بالمجمل المزيد من المس بكرامتهم، ليكتمل ذلك مع واقع الاستغلال منقطع النظير للحاجات الانسانية للسوريين، وخاصة للنازحين واللاجئين، والذي تجلى بأحد أشكاله عبر المساعدات والمعونات، والآليات التي تم اتباعها مع السوريين بهذا المجال، تكريساً لاستلاب المزيد من كرامتهم وانتقاصاً منها، ولعلنا شاهدنا وسمعنا الكثير من الممارسات المسيئة على هذا الصعيد، داخلاً وخارجاً.
فإذا كان اللاجئين تحت ضغط الاضطرار والحاجة أرغموا على الخضوع للابتزاز في بلدان اللجوء قهراً وعجزاً، فإن بعض ما جرى داخلاً على مستوى النازحين لم يكن افضل، وخاصة بظل تراجع الدور الرسمي للدولة على مستوى تأمين احتياجات هؤلاء، تقاعساً وتقصيراً، فاسحة المجال أمام الجمعيات والمنظمات، المحلية والدولية، التي ساهمت بشكل كبير في ابتزاز السوريين، استغلالاً لحاجاتهم، وخاصة بظل انعدام فرص العمل، ومصادر الرزق، والسكن والحاجات الاساسية.
لنصل لنتيجة مفادها وكأن ما جرى طيلة السنوات الماضية من ممارسات بحق السوريين لم ينتج إلا المزيد من هدر كرامتهم، والمزيد من بؤسهم.

تكاتف يصون الكرامة
ولعل ذلك يعتبر من الكبائر بالنسبة للسوريين، الذين توارثوا مفهوم الكرامة الانسانية على أنها قدس الأقداس تاريخياً، حيث لم يعتد السوري على أن يعيش دون عمل منتج، كما لم يعتد على أن يمنّ عليه أحد، مهما كانت صلة قرابته ومعرفته به، ولعل المقولة الدارجة «هين فلوسك ولا تهين نفوسك» تعبير مكثف عن ذلك، بغض النظر عن كل محاولات تفسيرها عكس ذلك.
بمقابل تلك الممارسات، داخلاً وخارجاً، كان واضحاً مقدار تكاتف السوريين فيما بينهم صوناً لكرامتهم، حيث عمد الكثير منهم إلى تقديم يد العون والمساعدة، وحسب الامكانات، من أجل التخلص من بعض أساليب هدر الكرامة المتبع والممارس، وهو ما تم، ويتم تغييبه بشكل كامل عن وسائل الاعلام، عمداً وعن سبق اصرار وتصميم.
ولعلنا من كل ذلك يمكننا القول ختاماً، أن تزاوج كرامة الوطن والمواطن، كشعار سياسي ووطني، كامل متكامل غير قابل للفصل، كان له مدلوله خلال السنين السابقة ما قبل الحرب والأزمة، كما سلف أعلاه، أما بعد هذه السنين، ووصول السوريين لحافة الكارثة الانسانية، فإن هذا التزاوج في الكرامة بين الوطن والمواطن أصبح أكثر عمقاً ومدلولاً، وأكثر فهماً وادراكاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
824
آخر تعديل على السبت, 19 آب/أغسطس 2017 15:31