رائد وحش رائد وحش

مهرجان جبلة الثقافي الخامس: شهية الجمال المفتوحة على هواء البحر

شهدت مدينة جبلة الساحلية بين 10 و14 تموز الجاري مهرجانها الثقافي الخامس الذي تقيمه جمعية العاديات فيها، والذي أرادت له أن يكون هذا العام «تحية إلى القدس عاصمة الثقافة العربية».

مرة أخرى، جبلة و«عادياتها» تُصدقاننا القول، وتدعوانِنَا لنشارك في الوقوف على الملامح الثقافية الخاصة التي يرسمانها على هواء البحر بالغناء والموسيقى والمسرح والسينما والشعر والفكر.
فعلياً ابتدأ المهرجان مع «فرقة التخت النسائي السوري» الفرقة النسائية الأولى في العالم العربي، بعدها كانت المفاجأة مع «الأدناوي» الفرقة الشابة القادمة من اللاذقية والتي قدمت حفلاً فريداً مع المغنية ليندا بيطار، وعلى وجه الخصوص ما قدمه العازف كنان الأدناوي الذي حاز منذ أيام على المرتبة الأولى في مسابقة العود الدولية التي نظمتها كلية الموسيقا في جامعة «الروح القدس» في الكسليك في لبنان. عود كنان كاد يتكسر من شدة ما استحث خلاياه الدفينة بحثاً عن أنغام نفيسة لم يسبق لوتر أن وصلها.
المغنية الفلسطينية القادمة من بريطانيا ريم كيلاني قدّمت باقة من أغاني الأمهات الفلسطينيات التي كانت قد اشتغلت عليها بشكل جديد، مازجةً بين الغناء الشعبي الفلسطيني وموسيقى الجاز، وقد صاحبها عازفون سوريون وبريطانيون. خلطة كيلاني أشعلت «المدرج الأثري» بما قدمته، سواء من أغاني ألبومها «الغزلان النافرة»، أو من مشروعها الجديد الذي تحاور فيه ميراث سيد درويش. الأمر نفسه حصل مع فرقة الجاز السويسرية. وفي حفل الختام الذي أحيته أميمة الخليل مع فرقتها كان متعذراً العثور على مكان فارغ، فشباب المدينة الذين تقاطروا زرافات زرافات لم يتركوا مكاناً، ولعل في هذا ما يلفت الانتباه إلى أن الأجيال الجديدة لا تخذل الفن الجاد عندما يتاح لها!!
بالمقابل على الشاشة الفضية، في المركز الثقافي العربي في المدينة، كنا على موعد مع وجبة من السينما التسجيلية حيث عُرضت أفلام: «جبل الصوان» لنضال حسن، و«خبرني يا طير» لسوار زركلي، و«هيه.. لا تنسي الكمون» لهالة العبد الله.
الشعر كان نقطة الضعف الوحيدة في برنامج المهرجان، ولولا صوت أو اثنان لقلنا بأننا لم نسمع شعراً على الإطلاق.
الدراما حضرت عبر ندوة «التنوير في الدراما السورية» التي شارك فيها كل من الفنان بسام كوسا والكاتب نجيب نصير، لكن هوى الحديث لم يذهب إلى ما يوضح المقصود بهذا العنوان الكبير وإنما اختار أن يكون بوحاً في شؤون المهنة لا أكثر.
الجميع اتفقوا أن أبرز ما في البرنامج الثقافي هو الندوة التكريمية للمفكر الراحل إدوارد سعيد التي أدارها المترجم ثائر ديب وتحدث فيها كل من الناقدين فيصل دراج وسماح إدريس. دراج تناول «صور المثقف عند سعيد»، بينما تحدث إدريس عن تناول صاحب «الاستشراق» للمسألة  الفلسطينية. فيصل دراج أشار إلى تدرج اهتمامات إدوارد سعيد تبعاً لمرجعياته إذ رأى في كتابه «الاستشراق» أن الشرق مهنة وكان على المستشرق أن يخترع الشرق لتسويغ الاستعمالات السلطوية في تزوير المعرفة. واستعرض سماح إدريس نظرة سعيد المحولة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث طالب بحقوق متساوية للشعبين وإيجاد طريقة سليمة للتعايش وصولاً إلى فكرة المواطنة، وقد قدم إدريس نقداً دقيقاً لمجمل أفكار سعيد بخصوص حل دولة ثنائية القومية.
مهرجان «جبلة الثقافي» فرصة لقاء من نوع خاص في المهرجانات السورية، وأهميته تكمن في كون جمعية «العاديات» قد أسست لعلاقة سليمة مع الشارع، واستطاعت استقطاب شباب المدينة إلى فضاء الثقافة والفن، من خلال العمل والتناشط على طول العام، لذا فالمهرجان ليس سوى محصلة طبيعية للعلاقة بين هذين القطبين، وهو أيضاً تتويج لكل الدأب الذي يتشارك فيه الجميع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
412