عندما يكون الروائي مرآة الثورة!
يعتبر البعض القرن التاسع عشر عصر التنوير في روسيا، حيث ظهر في ذلك القرن، رموز الأدب والفكر الروسيين، ليتركوا تأثيراً في مجمل الثقافة العالمية، كما سيتبين لاحقاً، حيث عكس النشاط الإبداعي في تلك المرحلة جملة من التناقضات العاصفة في ذلك البلد، بقالب جمالي اتخذ الشكل الروائي، والمسرحي أحياناً، والنشاط النظري - الفكري تارة أخرى، الأدب الروسي ابن تلك التناقضات، وذلك أحد أسرار وزنه النوعي في الأدب العالمي عموماً، كما يرى الكثير من النقاد.
في تلك المرحلة بالضبط تبلورت رؤى ليو تولستوي، صاحب رائعتي «الحرب والسلام» و«آنا كارانينا»، وبليخانوف مؤسس أولى الحلقات الماركسية في روسيا، والناقد فيساريون بيلينسكي، وتاراس شيفشينكو مؤسس الأدب الأوكراني، ومنظر الاشتراكية الفلاحية الطوباوية، الذي قال «القيصرية سجن الشعوب»، وتشرنشيفسكي منظر الديمقراطية الثورية صاحب مقولة «الديالكتيك جبر الثورة»، وليرمينتوف صاحب «بطل من هذا الزمان» وإيفان تورغينيف الذي صور الصراعات الاجتماعية في روسيا القرن التاسع عشر في راوية «الآباء والبنون»، بالإضافة إلى تشيخوف الذي يتحدث في «بستان الكرز» عن انحلال دور النبلاء ملاكي الأرض وبوشكين وغوغول وغيرهم.
لينين وتولستوي
شغل تولستوي مكانة مرموقة ليس بسبب موقعه الأدبي والاجتماعي، بل بسبب آراءه الفلسفية ، وكتب لينين عدة مقالات عن تولستوي، والتي صدرت فيما بعد في كتب حمل عنوان «مقالات حول تولستوي» أهمها مقال: تولستوي مرآة الثورة الروسية 1908 الذي يتناول أدب تولستوي ومكانته في تاريخ الأدب الروسي. بالإضافة إلى ذلك كتب لينين خمسة مقالات هي: ليو تولستوي 1910 وهو تعليق على وفاته، تولستوي والحركة العمالية المعاصرة 1910، تولستوي والنضال البروليتاري 1910، تولستوي وعصره 1911.
لم يتوقف لينين عند باقي الأدباء الروس كما وقف عند تولستوي، ورغم ذلك نجد بين رسائل لينين ومقالاته بعض الإشارات حول الأعمال المهمة في الأدب الروسي، منهم مكسيم غوركي وعلاقتهما الطويلة ومناقشاتهما، وهناك التعليق الشهير للينين عن قصة تشيخوف «العنبر رقم 6» التي اعتبرها رمزاً للقيصرية، وقال بأنه خرج من الغرفة عندما قرأها لأنه شعر بالاختناق في تلك الردهة، وهو وصف دقيق لإحدى روائع تشيخوف.
وهناك كلمته المشهورة حول المقارنة بين شعر ماياكوفسكي وبوشكين، عندما سأل مجموعة من الشباب حول الشعر وكيف أن الشباب أجابوه بأنهم لا يقرأون شعر بوشكين البرجوازي ويقرأون شعر ماياكوفسكي البروليتاري، فقال جملته الشهيرة: ولكن شعر بوشكين أفضل.
تولستوي في الأدب والتاريخ
تبلورت آراء تولستوي كأديب كبير في القرن التاسع عشر ، ففي عدد من مؤلفاته الأدبية التي كتبها خلال نشاط امتد لفترة تزيد على نصف قرن، وصف وتناول فيها حال روسيا القديمة لما قبل الثورة الروسية الأولى التي ظلت حتى بعد عام 1861 في حالة نصف قنانة، روسيا القروية، روسيا الصراع بين الملاك العقاري والفلاح، إن تولستوي، إذ وصف هذه الحقبة الزمنية من الحياة الاجتماعية الروسية، استطاع أن يطرح في مؤلفاته عدداً كبيراً من المسائل التي كانت محط اهتمام عصره، وأن يتطور إلى درجة من القدرة الأدبية بحيث أن مؤلفاته احتلت إحدى المراتب الأولى في كنز الأدب العالمي ولعبت دوراً عالمياً.
مؤلفات تولستوي تخوض في النضال الدائب ضد الظلم والبؤس الذي فرضه النظام الاجتماعي على الملايين وعشرات الملايين من الناس، تصور حياة الجهل، والبلادة، والعمل الشاق والبؤس. وتصف مشاعر الاحتجاج والغضب بين الانتفاضة التي أطاحت بالقنانة 1861 وثورة 1905 بشكل أساسي والسمات التي تميزت بها الثورة الروسية الأولى بأكملها بما فيها من تناقضات.
إن التناقضات في وجهات نظر تولستوي ليست تناقضات شخصية، إنما هي أيضاً إنعكاس للظروف والتأثيرات الاجتماعية، والتقاليد التاريخية المعقدة والمتناقضة بالغ التعقيد والترابط والتي حددت نفسية مختلف الطبقات المختلفة وأوساط المجتمع الروسي المختلفة ونضالها أثناء أول انفجار لهذه التناقضات، أي خلال الثورة الأولى 1905.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 786