هل كانت دمشق «سينما ومكان» حقّاً؟؟
تعيدنا الدورة الـ17 لمهرجان دمشق السينمائي الدولي، مرة أخرى، إلى السؤال المرّ: هل ستشهد الحركة السينمائية السورية نهوضاً في الآليات والأداء؟
فما إن انتهى حفل الافتتاح، وبدأت فعاليات المهرجان، حتى أتحفنا القائمون على تنظيم المهرجان الدولي، بكل ما يحمله هذا المصطلح من انتشار وأهمية، بخيبة وفضيحة جديدة تضاف إلى رصيد فضائحهم المالية والإدارية. فالمهرجان كشف وبشكل قاطع أهمية شعار هذه الدورة: «دمشق سينما.. ومكان»، وإن كان ذاك بحضور سطوة المدينة وعراقتها وقدرتها المتجددة على استقطاب الأنظار والعشاق والمهتمين على حساب الغياب شبه التام للسينما السورية، القادرة على لفت الأنظار بإبداعها، والمنافسة وحصد الجوائز.
فالمشاركة السورية في المسابقة الرسمية هذا العام، اقتصرت على فيلمين، فيلم «مرّة أخرى» للمخرج جود سعيد، وفيلم «بوابة الجنة»، أما الفيلم الأول فهو إنتاج مشترك بين المؤسسة العامة للسينما وشركة سورية الدولية، ويحاكي في ملامحه العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري في استعراض لمرحلتين وزمانين، يصوران تجاذبات واضطرابات هذه العلاقة من خلال قصة حب إبان حرب تموز 2006 تجمع بين مهندس الكتروني سوري (قيس الشيخ نجيب) الذي هو ابن لأحد الضباط السوريين الذين اشتركوا في صد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ومديرة مصرف لبنانية مطلقة (اللبنانية بياريت قطريب) تذهب للعمل في سورية رغبة في تحسين مستوى معيشة أولادها.. هذا الفيلم الذي أشرف درامياً عليه وأدى أحد أدواره المخرج السوري الكبير عبد اللطيف عبد الحميد، هو الأول من حيث فكرة الموضوع الذي تم تناوله، وبالتوازي من خلال الحروب التي شهدها لبنان، والدور الذي قام به السوريون والجيش السوري حين دخوله إلى لبنان عام 1982. إذ يصور حياة الأب الضابط وذكريات الطفل التي تعيد حرب تموز إنعاشها، ولكن الفيلم لم يتجاوز حجم المحاولة القاصرة درامياً والمتعثرة في إيصال رسالتها.
أما الفيلم السوري الثاني، والذي انتظره الجمهور بلهفة دليلها الدامغ صالة العرض في دار الأوبرا التي غصت بالحاضرين جلوساً، وعلى الأقدام واقفين، لكونه الإنتاج غير المشترك الوحيد الذي قدمته المؤسسة العامة للسينما هذا العام، فكان هدية المهرجان لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية 2009.. هو فيلم «بوابة الجنة» للمخرج ماهر كدو المأخوذ عن أصل أدبي يحمل العنوان نفسه للكاتب الفلسطيني حسن سامي يوسف، الذي قام بكتابة سيناريو الفيلم أيضاً، والذي يطرح فكرة المقاومة حلاً وحيداً لتحرير فلسطين من خلال التطور الدرامي للشخصيات، وتدور أحداثه خلال الانتفاضة الأولى في ثمانينيات القرن الماضي.. فهناك الأب المسالم (الفنان تيسير إدريس) الذي رفع العلم الأبيض لحماية عائلته عام 1967 وأبناؤه الذين جهد لإبعادهم عما يدور حولهم، وعن المقاومة تحديداً، وما يفرزه هذا المنطق من أزمات وخلافات مع الأبناء الواعين لحقيقة قضيتهم وطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني. فالابن علاء (الممثل محمد الأحمد)، غائب دائماً عن المنزل، ويتضح فيما بعد أن سبب غيابه انخراطه في المقاومة، وفي حضوره تبقى الأحوال متوترة بسبب جداله الدائم مع والده حول ضرورة المقاومة، والابنة ندى (نادين سلامة) التي عادت لتوها من لندن لقضاء إجازتها الدراسية، لكن الاحتلال يسعى لتجنيدها عن طريق الابتزاز (فضح علاقتها مع شاب من فلسطيني الشتات يدرس معها)، لكن رفض الفتاة التعاون مع الاحتلال يجعلها تخسر دراستها، فتبقى في البلاد وتعمل في إحدى المشافي. وفي إحدى الليالي العاصفة تلمح البنت مقاوماً جريحاً على السياج (الفنان اللبناني عمار شلق)، فتقوم بإدخاله وعلاجه، لكن الجريح يحتاج إلى مشفى، وهنا يتجدد الجدل مع الأب لكونه الوحيد القادر على نقله بسيارته، والذي يكتفي بالاستنجاد بطبيب يقوم بإرسال المواد اللازمة لعمل جراحي، وفي تلك الأثناء يستشهد الابن علاء في مصادفة ذات رمزية، وخصوصاً أن الجريح عرّف عن نفسه باسم علاء. ثم يداهم الصهاينة المنزل للقبض على الجريح، ويقومون بتفجير منزل العائلة، التي تشيد خيمة بجوار المنزل المهدم، وهنا، تكون المفارقة برفع الأب نفسه العلم الفلسطيني فوق الخيمة. لينتهي الفيلم بمشهد يحيلنا إلى نكتة يتناولها فلسطينيو الشتات بكون مآل الفلسطيني النهائي في السماء إلى مخيم.. لا جنة ولا نار.
الفيلم يطرح قضية جماهيرية بذاتها، إلا إنه وُوجه برد فعل شديد من جانب الجمهور، لكونه يتناول القضية بالمنطق الشعاراتي والخطابي الذي رافق انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، وراج في الأفلام التي أنتجتها الفصائل الفلسطينية كـ«ثورة حتى النصر»، و«هويتي بندقيتي»، ولكن الخلل الأساسي في الفيلم يكمن في الإخراج، وهو المستغرب من مخرج «دمشق يا بسمة الحزن»، و«صهيل الجهات»، فمنزل العائلة مقام في مكان ناءٍ بعيد عن البشر.. لا هو بالمخيم ولا بالمدينة، ولا إقناع في تصوير الحواجز ومكاتب الأمن الإسرائيلية. ثم إن الفيلم قد شابه الكثير من الهفوات الإخراجية غير المبررة، كمشاهد المطر الذي ينهمر بكثافة أمام عدسة الكاميرا، ولكنه معدوم في عمق المشهد، وجرح المصاب الذي انتقل من خاصرته إلى كتفه بقدرة خفية، بالإضافة لإقحام عدد من مشاهد الانتفاضة التي لا تخدم السياق الدرامي، والأهم فشل المخرج في إيصال الجمهور إلى الحد المطلوب من التأثر في اللحظات الحاسمة الناجم عن ضعفها التصويري.
فإذا كان المهرجان قد احتفى بالقضية الفلسطينية بتخصيصه ضمن فعالياته تظاهرة «فلسطين بعيون السينما» التي ضمت 8 أفلام، وكانت الندوة المركزية في دورته الـ17 عن سينما القضية الفلسطينية، وقدم هذا الفيلم كهدية للقدس؛ فحسب الكثيرين أن سينما(نا) وصلت حد (الدجل السينمائي الذي تقيمه الإدارة الحالية لمؤسسة السينما في سورية لتغطية العجز والخراب السينمائي الذي لحق بالحال السينمائية في البلاد) وفق بيان المقاطعة الذي وقعه عدد من كبار مخرجي ونجوم الفن في سورية، والغريب أن كل هذا تزامن مع حصول فيلم «الليل الطويل» للمخرج حاتم علي على جائزة تقديرية جديدة، وهو ممنوع من العرض داخل سورية!!.