التاريخ العبء يسجله كتاب

استطاع عزيز سباهي في كتابه «عقود من  تاريخ الحزب الشيوعي العراقي - الجزء الأول» أن يقدم عرضاً لجذور وتاريخ الحزب الشيوعي العراقي، ويعمل على التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للعراق الحديث والمعاصر وكيف تمخض عن ولادة الحزب الشيوعي العراقي، في ثلاثة أجزاء تصدر تباعا عن دار الثقافة الجديدة.

يتصدى سباهي لهذه المهمة، بعين المراقب، بعين العراقي الذي لا يغفر خطأً حتى لحزبه الذي انتمى له، وبأدوات مؤرخ أتقن حرفته غير مرة في كتابيه السابقين «الحزب الشيوعي والمسألة الزراعية في العراق»  و«مساهمة في كتابة تاريخ الحركة العمالية في العراق»  ودور الحزب الشيوعي العراقي في الحركة السياسية و الاقتصادية للعمال بالعراق، و كلاهما صدر عن مركز الدراسات الاشتراكية، وهاهو بعد سقوط التجربة الاشتراكية الأشهر بالعالم «دفع ويدفع كل حركة ثورية إلى تأمل أوضاعها من جديد بعيداً عن الروح الدوغماتية التي سادت تحليلاتها في السابق».

يناقش الكتاب أوضاع و تاريخ العراق و تأسيس الحزب الشيوعي العراقي  حتى نهاية الأربعينات و إعدام قائده، بينما يخصص الجزء الثاني للفترة من 1949 و حتى 1963 ليستعرض الجزء الثالث تاريخ الحزب حتى مؤتمره الخامس في 1993، و كل مرحلة توثق لتأسيس طور من أطوار الحزب، يتميز كل واحد منها بتغير شامل في أوضاعه وتكويناته القيادية.

في الفصول الثلاثة الأولى من هذا الجزء يقدم الباحث رؤية بانورامية للتاريخ العراقي في القرن السابع الميلادي، مارا على الحكم العباسي و حتى العثماني، موضحا اختلاف  الحدود السياسية والتسمية للعراق على أساس معطيات كل حقبة تاريخية، يعدد الكاتب خلال ذلك التيارات التي هبت على العراق عبر العصور.

كما يستعرض الأوضاع السياسية بالبلاد منذ مؤتمر سان ريمو والاستفتاء الشهير على  الملك فيصل. أما الفصلان الرابع و الخامس فيستعرضان: السبل المختلفة التي سلكها الرواد الأوائل من المثقفين العراقيين للتعرف على الفكر الاشتراكي بمدارسه المختلفة و  الخلفية الاجتماعية و الاقتصادية للقائمين على الحزب من بدايته.

ويقدم الكاتب تأريخاً لسعي الشبيبة العراقية إلى معرفة أفكار الحرية والمساواة والتقدم والاشتراكية بينما يتابع من بقى على هذه الأفكار و تطويره لها و توظيفه إياها في العمل و النضال السياسي.

ويفصل الكاتب  بداية أخرى للأفكار الاشتراكية بالبلاد و هي الاختلاط الفكري بين العراقيين و غيرهم من الأقوام و التفاعل الفكري الذي امتد عقدين من السنين قبل الاحتلال البريطاني وبعده. هذه النقطة الهامة في كتابه  .

بالإضافة إلى ذلك فإنه يتناول تأثير السياسات الاستعمارية البريطانية على الحركة الشيوعية في العراق بإسهاب شارحا الآثار المدمرة للاحتكار و عدم تنوع بنية الاقتصاد وجنوح هيكله العام إلى الخدمات والتجارة وأثر كل ذلك على مكانة العراق الاقتصادية في تجارة العالم، وكيف أثر الاستعمار بأدواته القمعية إلى حد جنوح المعارضة العراقية إلى التعاون مع حكومات موالية بدرجة ما للإنجليز ، و هو ما عجل بالشبيبة الثورية وقتها أن تبتعد عن معارضة كهذه و تخلق التجمعات الثورية الخاصة بها.

و ينحو الكاتب إلى إيراد الآثار السلبية على العراق اقتصادياً، هيكلا و أداء، منذ الاحتلال فالانتداب، مستعرضاً دور الحزب في العمل العام بعد الحرب العالمية الثانية،  منظما و مشتركا في العديد من الاعتصامات والإضرابات و المظاهرات رغم م تعرضه للهجوم غير مرة ،   و فيما يشبه المقارنة الاستدلالية يقدم الكتاب  أهم ما في برنامج حزب التحرر الوطني المعنونة بالمبدأ الديموقراطي و من باب (الاستقلال والسيادة الوطنية) جاء:

«إن حزبنا يؤمن بمبدأ حق كل شعب في تقرير مصيره، وعلى هذا الأساس، يعترف لجميع الشعوب المجاورة والبعيدة بحقها الكامل في الحرية والاستقلال وبحقها في الدفاع عن هذا الحق داعياً إلى برلمان حر منتخب و دولة مؤسسات».

أمامنا شهادة واحد من قادة حزب عراقي كبير، ننتظر بقية العمل، وبالتوازي ننتظر خطوة مماثلة من كل حزب عراقي يحمل على عاتقه ليس  بالضرورة تاريخا عبئا، و لكن كل حزب عراقي يحمل هم وطنه و مطالب وتطلعات مواطنيه.

■ الكتاب : عقود من  تاريخ الحزب     الشيوعي العراقي - الجزء الأول

■ المؤلف : عزيز سباهي 

■ دار النشر : الثقافة الجديدة

مكان النشر : دمشق - سوريا

■ تاريخ النشر : 2002

■ أميرة الطحاوي

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.