ربما ..! تشظيات علي الجندي
بين أن تقرأ أشعاره وبين أن تتسقط أخباره لا بد وأن تشعر بانفصال كبير، كي لا نقول انفصاماً، ذلك أن الشاعر الراحل علي الجندي الذي لا يكفّ الشعراء الذين عايشوه عن تناقل نوادره وطرائفه، لم يكن في أعماقه إلا شخصاً حزيناً وجريحاً، ولعل هذه هي الكلمة السرية المخبأة في قصائده!!
يروى عن صاحب «الشمس وأصابع الموتى»، حين كان يرأس القسم الثقافي في جريدة البعث، أنه كان يدخل مكتبه في الصباح ليجد أكداس من المجموعات الشعرية، تلك التي يرسلها أصحابها بالبريد، وحين يبدأ تصفحها يضع جانباً ما يراه ملائماً فيما يرمي ببقية المجموعات من النافذة، وللعابر في الشارع تحت أن يرى جثث الكتب الردئية وهي تذوق بئس المصير.
ذات مرة كان يلقي قصيدة بعنوان «من قتل غسان؟؟» عن الشهيد غسان كنفاني، وفيها يتهم الأنظمة المتخاذلة بدمه، فيقف أحد المسؤولين الكبار، عقب انتهاء الشاعر ليسأل: لكنك لم تقل لنا من قتل غسان!! فما كان من الشاعر إلا أن زجره باستخفاف: وعن ماذا كنت أتحدث؟؟
ما يروى عن نوادرعلي الجندي كثير، بل كثير جداً إلى درجة أن يستحق كتاباً وحده، فالرجل كان بحق رجل مجالس وينبوعاً من المرح، لكنّ مأساة هذا الشاعر الجريح إنما تكمن في هذا بالتحديد، فزملاؤه المثقفون، كتاباً وشعراء، حصروه في هذا الإطار حتى أنه بات خارج التصنيف النقدي لاحقاً، وشبه منسي في منفاه الطوعي باللاذقية.