بين قوسين: لا النافية
يقول لك باطمئنان، وهو يضع ساقاً على ساق: «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، لكنني أرى أن «لا» النافية - كما أظن- فائضة في هذا المقام، إذ لطالما أفسد الاختلاف في الرأي وداً عميقاً بين طرفي حوار. تُنسب هذه المقولة للمفكر المصري التنويري أحمد لطفي السيد، لكنها، في عصر التكفير، تآكلت بالتدريج،
وباتت أقرب ما تكون إلى هيكل عظمي في صحراء، والتكفير هنا، ليس بالضرورة أن يكون دينياً، فنحن نكفّر كل ما لا يوافقنا في الرأي، وأكثر من ذلك، نحاول إطاحة الخصم بكل الوسائل المتاحة، بما فيها الأيدي والأرجل، والسلاح الأبيض. في البرامج الحوارية على شاشة التلفزيون، نجد أمثلة كثيرة من هذا النوع، فما أن يشتد غبار المعركة الكلامية بين طرفي نقاش، حتى يبدأ التراشق الكلامي، وكأن المشهد يجري بين جارتين في إحدى الحواري الشعبية، بخصوص توقيت وضع أكياس القمامة. لنقل إن النساء والمال هما أكثر ما يفسد للود قضية، بما فيها القضايا الأيديولوجية الكبرى، فكم من الأصدقاء انتهوا إلى خندقين متضادين، إثر صفقة مالية، أو أنثى بزغت في طريق أحدهما، وحاول الآخر اصطيادها، بوصفها صيداً ثميناً، متجاهلاً رصيد الصداقة الطويل بينهما، وإذا به يفتح الصندوق الأسود لصديقه على الملأ وهتك كل أسراره، هذا ما يحصل على مستوى الأفراد، فما بالك بما يتعلّق بقضايا فكرية عامة؟
لاشك أن الكائن العربي بحاجة إلى إعادة تأهيل، لفرط تغييبه المزمن، فالصراخ الذي يحتل اليوم مكان النقاش، أو ما يسمى زوراً «الحوار» يحتاج إلى تدريبات متواصلة للعودة إلى الموقع الطبيعي، في معنى الإنصات إلى الآخر، واختبار قدرتنا على اكتشاف أفكار مختلفة، غير تلك التي نتمترس وراءها، من دون أن نسعى إلى تجديدها، أو التخلي عنها لعدم صلاحيتها، في ظل لحظة زئبقية، لا يزال بعضهم يعتمد إجابات قديمة على أسئلة جديدة، فيما يغيّر آخرون جلودهم لمواكبة مكاسب طارئة على طريقة: كيف تصبح «ثورياً» في خمسة أيام، بدون معلّم!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.