عمرو خالد.. والعبث بحقائق التاريخ
قادتني المصادفة وحدها، لمتابعة جزء مهم من إحدى الحلقات لبرنامج تبثه قناة أبو ظبي الفضائية، تحت مسمى (دعوة للتعايش). التي يقدمها عمرو خالد الداعية (الإسلامي) المعروف، يقيناً أقول: إن هذا الرجل يملك من الكاريزما الشيء الكثير، التي تجعل جزءاً كبيراً من الناس من متابعيه ـ وهنا مكمن الخطورةـ ويتيقن المرء أكثر من خطورة هذه الحلقة، عندما تناول مقدم البرنامج، قضية مفصلية ومحطة هامة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية ، قضية المعتزلة، التي تناولها بنقد أقل ما يقال عنه بأنه كالتشفي من الميت، أو التجريح بالمُـقعد.
لا يلام الرجل لو كان عنوان البرنامج ، دعوة للتناحر مثلاً .. لكن جلنا متفق على أن التعايش معناه أن تقبل الآخر أياً كان، وخاصة لجهة حرية الفكر ، حرية التلقي، حرية المنهج، وجميع ما ذكرت ينطوي تحت ضوابط تعارفت عليها الأمم والجماعات، وأيدها القرآن الكريم في غير أية، فهل صحيح أن المعتزلة قالوا بخلق القرآن لتخريب الإسلام أو لإضعاف الدعوة، هذا ما قاله السيد عمرو خالد في تلك الأمسية، و أضاف أن عناصر أجنبية كانت تعمل مع المعتزلة ومن داخل البيت الإسلامي ..
إذا كانت الدعوة للتعايش قد نحت هذا المنحى من التجني على إرث حضاري تمازج، خلافاً واتفاقاً، في كثير من القضايا مع أهل الحديث أو الجماعة، والذين تزعمهم في تلك الآونة أحمد بن حنبل الفقيه وصاحب المذهب الحنبلي المعروف، فما حال العيش المشترك بين مفكري الحضارة الإسلامية في القرنين الثاني والثالث الهجري مع دعاة هذه الأيام، الذين من طينة الداعية المذكورـ لو أردناه اليوم مثلا ً..؟ لابد أن عمرو راعه أن يختلف اثنان في قضية .. أو أنه و من منطلق إيمانه العميق بصحة ما يعتقد به أغلق مخيلته وفكره لاستيعاب قضية مات منظروها، أو ربما لم يسعف الوقت الرجل ليطلع على شيء من فكر المعتزلة، أو شيء مما قيل أو كتب عنهم .. أو تغاضى عمداً عن دراسات نصر حامد أبوزيد، في غير كتاب ودراسة كلفته الكثير من البحث والجهد، وكلفته أيضاً الترحيل من بلده مصر قسراً، بعد اتهامه بالردة ..إن المحرك الأول لقضية خلق القرآن ـ باعتقادي ـ لم يكن الرد على ما قاله فقهاء أهل السنة من أن القرآن قديم، أي أزلي وفي لوح محفوظ، وبالتالي إن كلام الله صفة من صفاته الأزلية ـ وهنا يحار المرء في قضية الآيات المنسوخة ـ لم يكن طرح تلك القضية الخلافية بغرض المس بالشريعة.. بل رداً على من آمن بالجبرية التاريخية من خلفاء بني أمية، و بني العباس فقولنا إنَّ القرآن غير مخلوق بل هو أزلي، معناه قبولنا بالجبرية التاريخية، وبالتالي كمحصلة طبيعية لهذا القبول لا يمكن لنا في يوم من الأيام الاعتراض على حاكم أو وزير ولا حتى على عسكري .. بدعوة الجبرية التي ناقضها المعتزلة بمفردة تحمل معنى ظاهراً يصل بنا للجبرية ولكنها تحمل معنى باطناً يسخر من الجبرية ويناقضها.. أقصد القدرية .
الداعية ـ وباعتقادي أيضاً ـ إن لم يتمتع بروح عالية من المسؤولية التاريخية وإن لم يتمتع بوعي تاريخي، فهو أخطر من جميع (المعتزلة) الذين أخافوا عمرو خالد وهم نيام، لأننا كعرب وكمسلمين لم نع لليوم خطورة المنبر وأهميتة، ورمزية الجامع ودوره ـ لكن الداعية الشاب لم يستطع القبول بالآخرـ المعتزلة ـ وهم في غياهب الموت مع فكرهم ـ لنعدد كم معتزلاً يوجد الآن، أو كم نفراً من أتباع ذلك الفكر العظيم، أقول جازماً: قلة من المثقفين، وبعض من الطوائف الإسلامية التي ـ ربما ـ وأقول ربما استفادت من فكر المعتزلة في بعض التأويلات النظرية للنصوص الدينية، القرآن، و الحديث الشريف ـ أستطيع طرح المزيد من التساؤلات على السيد عمرو خالد، لو أنه عاش في عصر المأمون الذي دافع عن المعتزلة وأعتنق فكرهم هل كان سيجرؤ على الصمود كما فعل أحمد بن حنبل بتصديه للمعتزلة دون أن يوجه لهم أية سبة ؟؟ وما قوله أيضا بعدد كبير من المنكرين للوحدانية أو حتى للألوهية نفسها في ذلك الزمن الذي جمع الجميع ؟؟ بل ما قوله بالمأمون نفسه ؟؟!!.. ما أتعس أن يتعرى الخطيب أو الداعية أمام تناقضاته لأنه لن يصبح في نظر الناس وثقاتهم أكثر من ثرثار ـ بياع لغط وصراخ ـ وإن لبس طقماً وربطة عنق..