ربّما! هذا الرجل

رغم ما حققته أعماله الدرامية من النجاح، لا يحبّ نجيب نصير الكتابة، ويعللها بعقدة خجل يعانيها تجاه الآخرين، فهو واقع تحت طائلة استغلالهم لنقطة ضعفه هذه. وبالنسبة له، يفضل أن يكون الطرف الآخر من المعادلة الإبداعية:

المتلقي: فلماذا ينبغي عليه أن يكتب والآخرون، الجميلون منهم بالطبع، يخوضون العناء، ويقدمون له ولنا العجيب والشهي والمدهش، ليستمتع به في نسم لا نهائية من الكسل واللذة؟

من كل الروايات التي بدأ بكتابتها، وما أكثرها، لم يستطع إتمام أية واحدة، مع أنه تجاوز في بعضها المئتي صفحة، والحماسة المشتعلة عنده على الدوام تبدو للصحافة، الورقي منها والالكتروني على حد سواء، فالمقال، كردّة فعل مباشرة، وموقف يسجله الإنسان من كل ما يرغب، لذّة أخرى لا يستطيع مقاومة إغرائها.

هذا الرجل يائس، تمام اليأس، من أي مستقبل ورديّ يزعمه القائمون على صناعة الدراما التلفزيونية السورية، لأنّ فنّا يدار بعقلية (أصحاب الدكاكين)، من قبل (الشطار والعيارين)، سيجعل من حداثة الأداة الفنية،ومن مادتها، مجرد غلاف لامع، لجثةٍ متفسّخة من ماضويتها، ونكوصها نحو المشافهة، مما يجعل هذا المجال يندثر أكثر في وحل الحضيض ضد المزاعم التي تتشدق بأنه يسير نحو مزيد من الرقي والازدهار.

لكن نجيباً في يأسه الأعمى هذا يضحك، كما الأطفال، ويمازح الناس مزيلاً الحواجز الرمادية بين ما يسميه البعض مقام الكاتب والعامة. فحين يأتيه رجل بسيط موفد من شخص آخر لأخذ بعض الأغراض، ويدخل المكتب ظاناً أنه المكان الخطأ، ليسأل نجيباً عن نجيب، وبدوره يتصنع الجهل، ويقود الرجل إلى الباب، وهو يخبره (كأنني قرأت هذا الاسم على أحد الأجراس في الخارج). يفرح الرجل المتعب من البحث حين يقرأ اسم من يبحث عنه، ويرن الجرس ليندفع صوته ملء المكتب.. وعندها يفهم الرجل المزحة ويغشى ضحكاً.

وهذا المفرط الحركة، الثرثار، المشوش، الصاخب، قدم، بالشراكة مع حسن سامي اليوسف، دراما الحارات العشوائية، فاتحاً المجال لسكان كتل الباطون الصماء في الطبالة ودويلعة أن يتكلموا، منجزاً تراجيدياً هذا العالم الصغير، لتذهب، بعد هذا الفتح، شركات الإنتاج بحثاً عن طرائد في عدة مسلسلات، ستواصل ضخ المزيد منها، لكنها ستظلّ بحاجة إلى لمسات شعرية، حرة، تفهم إيقاع الحياة، كما أنها تنطلق من حبّ الكاتب لشخوصه، لا من تصفيتهم حسب أوامر منتجٍ بات يتصرف، في العمل الفني، كقائد فصيلة إعدام.

■ رائد وحش

 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الخميس, 17 تشرين2/نوفمبر 2016 18:51