أخيراً سُمح بعرض هذا الفيلم..
لا تعبر هذه الجملة عن ذهنية أصحاب الصالات السينمائية في اجتذاب واستدراج رواد السينما فقط، بل تكاد تختصر العلاقة بين الجمهور ودور العرض.. بشكل تتضح فيه هشاشة الارتباط بينهما، وتكشف عن تاريخية هذه العلاقة وخلفيتها المؤسساتية بأكثر مناطقها التباساً وتعسفاً: الرقابة!..
حتى بالنسبة للعابر، تشي هذه الجملة «وأخيراً سمح بعرض هذا الفيلم» بأن ثمة مفاوضات خشنة، وطويلة.. انتهت بالسماح بعرض الفيلم. ومع إمكانية الإعتقاد.. بأن هذه الأيقونة اللغوية في لوحة الإعلانات، والمفتاح الذهبي لشباك التذاكر، هي من قبيل التشاطر الإعلاني والتجاري، إلا أنها في صميمها تراهن على تحطيم سطوة الرقيب،وغلبته!..
أما بالنسبة للعارف فقد تثير هذه المسألة الضحك، دون أن تزيل شكوكه وارتياباته حول «الرقيب» وتموضعه المؤسساتي، فتاريخ الرقابة غير مشرف إطلاقاً، فضلاً عن أن المؤسسة الرسمية تتقدم.. كواحدة من أكثر البؤر بيروقراطية، واحتمالية للفساد. وهذا أمر غريب فعلاً يستحق التأمل والدراسة لهذه الحالة: علاقة الفرد بالمؤسسة!..
أخيراً سمح بعرض هذا الفيلم، هي أيضاً جملة من قلب الواقع السينمائي، والثقافة السينمائية في سورية، تتصل بشكل واضح بمرسوم حصر استيراد الأفلام العربية والأجنبية بالمؤسسة العامة للسينما (المرسوم رقم 2543 تاريخ 11/11/1969)، الذي ألغي في العام 2000 بالمرسوم رقم 549، من دون نتائج باهرة، ولا حتى معقولة، على مستوى وضع صالات السينما، ولا على مستوى العلاقة بينها وبين الجمهور السينمائي، بالرغم من كل التسهيلات الأخرى!..
النقطة الأكثر سخونة في هذا الموضوع، هي أن الصالات السينمائية في سورية، موجودة بقرار رسمي، أي في غرفة الإنعاش، دون أي دور في خلق بيئة سينمائية (ماذا عن الصحف والمجلات النقابية والوزارية، في هذا المجال؟!)، أو تشاركات ثقافية، إلا فيما ندر..
رغم جميع التسهيلات التي تقدم للصالات، والتي تتمثل بالإعفاءات الجمركية، وتخفيض رسوم دعم السينما، وإلغاء رسم الملاهي على الصالات السينمائية، والسماح بهدم الصالات القديمة وإنشاء صالات حديثة مكانها، إلا أن أحداً لم يحرك ساكناً، إذ يبدو أن أصحاب الصالات هم بانتظار قرارات من نوع مختلف!..
القطاع الخاص يملك بوصلته الخاصة، والقطاع العام يملك أكثر من بوصلة (البوصلة هنا على سبيل المجاز)، وربما تستطيع المؤسسة العامة للسينما تجاوز هذا المأزق، لكن من يغفر للمؤسسة أخطاءها الأخرى؟، ومن تراه يصدق أن المؤسسة رفضت فيلم (z) للمخرج كوستا غافراس، أحد أهم الأفلام السياسية في تاريخ السينما. ومن يصدق أن المخرج العالمي مصطفى العقاد خرج بفيلمه (الرسالة) خائباً ومخذولاً من مبنى المؤسسة..
وأخيراً سمح بعرض هذا الفيلم، جملة لم تعد تعني، ولا تثير، أحداً. هذا الـ (أحد) الذي يمكن أن يكون في حافظة موبايله مشاهد أكثر سخونة بكثير.. بكثير، مما قد يشاهده على شاشات صالات السينما. وإذا لم يكن من هواة تخزين مقاطع الفيديو، فقد يحظى بواحد منها عن طريق البلوتوث، من أحد لايعرفه. وقد يحدث هذا في مقهى يعج بالمثقفين والفنانين، كمقهى الروضة مثلاً!..