في اليوم العالمي لحرية الصحافة أمازالت هناك سلطة رابعة؟
تأتي أهمية اليوم العالمي لحرية الصحافة لكونه جرس تذكير للحكومات باحترام التزاماتها تجاه حرية الصحافة، وأخلاقيات المهنة. وتقديم الدعم لوسائل الإعلام التي تكون في أكثر الدول وأغلب الأوقات هدفاً للتقييد والتأطير الإيديولوجي وحبس الحريات. كما أنه يوم لتذكر أولئك الصحفيين الذين فقدوا حياتهم أثناء ممارستهم لعملهم.
وقد تم الإعلان عن اعتبار يوم الثالث من أيار كيوم عالمي لحرية الصحافة من الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1993 وذلك عقب تبني توصية في الدورة السادسة والعشرين للمؤتمر العام لمنظمة اليونسكو في العام 1991. وبذلك اتخذ هذا اليوم مناسبة احتفالية سنوية لتذكير المجتمع الدولي بحقوق الصحافيين والصحافة والكتاب في التعبير الحر ونشر المعلومات وحقائق الأحداث والقضايا بحرية كاملة. وصار يرافقه منح العديد من الجوائز التشجيعية للمؤسسات الإعلامية والأفراد تكريما للجهد المبذول في كشف الحقائق كجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة، التي تعتبر أعلى الجوائز في عالم الصحافة وتحمل اسم الصحافي والناشر الكولومبي (غييرمو كانو) الذي اغتيل عام 1986 بسبب انتقاده لأباطرة المخدرات ببلاده، وقد منحت جائزة هذا العام للصحافي السريلانكي المتوفي (لاسانتا ويكريماتونج) رئيس تحرير صحيفة ساندي ليدر الذي اغتيل في 8 كانون الأول الماضي. ومن الجوائز العالمية للصحافة، جائزة «بيوليتزر» الامريكية التي تمنح لتكريم الإنجازات في مجالي الصحافة والفنون والآداب، وتعتبر أعلى جائزة في مضمار الصحافة المطبوعة وتشرف على منحها جامعة كولومبيا، وتقسم الجائزة على 21 مجالاً من مجالات الصحافة المكتوبة، وقد بدأت الجائزة في أوائل القرن العشرين بوصية من (جوزيف بيوليتزر) وكان من كبار أصحاب دور النشر في ذاك الوقت. غير أن المضحك في الأمر كون الصحافة العالمية قد غدت رأس الحربة في التنظير والتبرير للحملات الامبريالية الجديدة ونشر ثقافة القطب الواحد وتعاليم الليبرالية الجديدة وإرساء مفهوم الإرهاب بدل المقاومة وتشويه صورة حركات المقاومة في العالم فلكل حرب جوقة من الأبواق التي تسبقها وترافقها. فباستعراض سريع لأسماء الحاصلين على جائزة اليونسكو العالمية مثلا تتضح اللعبة وخفاياها، فالفائزون ترشحهم الدول الأعضاء في اليونسكو بالإضافة لمنظمات دولية تدعي أنها تعنى بشؤون الحريات في العالم. فعلى الرغم من الجانب المهني الرفيع للجائزة إلا أن للسيطرة السياسية ثقلها المحوري فمثلا أول نسخة من الجائزة منحت للصحفي الصيني المعارض (غاو يو).. وفي عام 2003 للصحفية الإسرائيلية (أميرة هاس ) وكلمة إسرائيلية فقط تغني عن الشرح.
والآن تشهد حرية الصحافة انتهاكات صارخة وتراجعاً خطيراً وخصوصا في العقد الأخير فعلى الرغم من وجود القرار( 1738) الصادر عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة، الذي يدين الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين ويطالب الجهات المسؤولة إيقاف هذه الممارسات، ويشير إلى ضرورة اعتبار الصحفيين مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم بصفتهم هذه، وإلى أن المعدات الخاصة بهم تشكل أهدافا مدنية ولا يجوز أن تكون هدفاً لأية هجمة أو أعمال انتقامية. كشف تقرير صادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» أن العام 2008 شهد مقتل 60 صحافياً وتوقيف 673 آخرين حول العالم فيما قتل في العام السابق 86 صحفياً و20 معاوناً إعلاميا واعتقل 887 آخرين.. وأشار تقرير المنظمة إلى أن الشرق الأوسط كان الأكثر دموية، إذ بلغ عدد الصحفيين القتلى في العراق (15 قتيلاً) وفي باكستان (7 قتلى) وفي الفلبين (6 قتلى)، كما أشارت إحصائيات المنظمة إلى أن العام 2008 شهد الاعتداء على 929 صحافياً حول العالم وفرض الرقابة على 353 مؤسسة إعلامية واختطاف 29 صحافياً، كما شهد مقتل مدون على الانترنت واعتقال 59 آخرين فضلا عن الاعتداء على 45 مدوناً وإقفال 1740 موقعاً إخبارياً، ناهيك عن فصل كامل يسجل للاعتداءات التي طاولت الصحافة والصحفيين الفلسطينيين في الضفة وإبان العدوان على غزة. لكن ما تناساه التقرير أن يشير بأصابع الاتهام للواقفين وراء هذه الاعتداءات فمن ينسى في فترة الغزو الأمريكي للعراق القصف الشهير على فندق فلسطين في بغداد الذي كان مقراً للبعثات الصحفية وسقوط شهيد والعديد من الإصابات وما تبتدعه (إسرائيل) يوميا من تقييد وتقليص للحريات الصحفية والشواهد كثيرة ولعل أهمها منع الصحفيين من الاقتراب من أماكن الأحداث أثناء العدوان على لبنان 2006 وسقوط الكثير من شهداء الصحافة في الجانب اللبناني (مراسل تلفزيون الجديد اللبناني) وقانون الرقيب العسكري الذي رافق العدوان على غزة .
في اليوم العالمي لحرية الصحافة والحال على هذا المنوال نسأل: هل مازالت الصحافة صاحبة الجلالة والسلطة الرابعة في المجتمعات أم؟؟؟