في عرض العظمة ومراد: «جلجامش» رداً حضارياً على الغزو الأمريكي
«إلى أين أوجه وجهي؟ وها أن (المثكل) قد تمكن من لبي وجوارحي.. أجل.. في مضجعي يقيم الموت، وحيثما أضع قدمي يربض الموت»..
هي عبارة جاءت على لسان ملك أوروك «جلجامش» بعد موت صديقه الحميم أنكيدو، ومواجهته لفكرة كونه فانياً لتغلب نصفه البشري على نصف الإله فيه.. وتمضي الملحمة السومرية التي تصنف كأقدم قصة كتبها الإنسان (2100 قبل الميلاد)، لتروي حكاية بحث جلجامش المحموم عن الخلود الذي ينتهي بفشله وموته. لكن يبدو أن جلجامش قد وصل مبتغاه في نهاية الأمر. فمنذ أن اكتشفت الألواح الطينية الأكادية الأحد عشر التي حملت الملحمة إلى الوجود عام 1853م في موقع المكتبة الشخصية للملك الآشوري «آشور بانيبال» في نينوى بالعراق، والملحمة لا تزال تجسد وتخلق من جديد، وهذه المرة كصرخة ورسالة ثقافية حضارية في وجه المشروع الأمريكي في المنطقة، وخصوصاً بعد احتلال العراق، على يد الفنانين السوريين المجددين عازف الكلارينيت «كنان عظمة» والتشكيلي «كيفورك مراد»، وذلك بجولة انطلقت من دبي، لتشمل بيروت وطرطوس ودمشق ومن ثم في نيويورك أمريكا، وبرعاية من مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة السورية، وصالة رافيا للفنون بدمشق.
ملحمة جلجامش عرض حي لكنان (تأليف موسيقي)، وكيفورك (المادة البصرية) الذي قدم على خشبة مسرح الحمراء في دمشق(30/1) يعبر عن الخلفيات الفنية الإبداعية لاثنين من أهم الفنانين الحداثيين الشباب في العالم العربي الذين وصلوا إلى مصاف العالمية؛ ليقفوا إلى جانب كبار عمالقة الموسيقى والتشكيل في العالم، جاء كمواءمة بين الموسيقى والتشكيل البصري الحي الذي طوره كيفورك مراد بنظام معين لتحريك اللوحة وإحيائها بتقنية الإنيميشن، بينما يستعين كنان عظمة بموسيقى إلكترونية لتواكب الكلارينيت في تأديته المباشرة؛ وتكون الحصيلة مما يقدمه الاثنان تصوراً حسياً بصريَ التعبير، وهو الجانب الذي تفوق في العمل، وبملامح تقاطعية موسيقية لإعادة خلق أبرز المفاصل الأساسية في الملحمة وعلاقة شخوصها؛ ضمن برنامج ارتجالي يطرح في النهاية رؤية الاثنين لواقع حال ومآل الحضارة التي تعيشها اليوم أوروك في إسقاط على الأوضاع في العراق.