ثقافة غارقة في الدم
ربما كان فيليب ماركوف طالب الطب قد أخفى مسدسه في نسخة مجوفة من كتاب غراي للتشريح. تعتقد الشرطة أنه استخدمه في غرفة فندق في بوسطن الأسبوع الماضي لقتل جوليسا باريسمان، 26 عاماً، التي تعرض خدماتها كمدلكة في الإعلانات.
في بالم هاربور في ولاية فلوريدا عثر الفتى جاكوب لارسون البالغ من العمر 12 عاماً على مسدس في منزل عائلته، تقول الشرطة أن العائلة قد نسيت أنها تملكه. جاكوب أطلق النار في رأسه وهو الآن في غيبوبة. وترجح السلطات أن إطلاق النار كان غير مقصود.
ليست هناك أية مبالغة في وصف الرعب الذي تسببه الأسلحة في أمريكا. يقتل من 16000 أمريكي إلى 17000 كل عام، ومعدل 12000 منهم يموتون بإطلاق نار. هذا مجتمع عنيف بجنون، وأسوأ ما في هذا العنف أنه يرتكب بسهولة مجنونة عبر الانتشار الكبير لتوفر الأسلحة الفردية.
عندما قرر الموسيقي فيل سبكتور لسبب ما قتل الممثلة لانا كلاركسن، فإن كل ما كان عليه فعله هو أن يحضر مسدسه، وهو واحد من 283 مليون قطعة سلاح ذات ملكية شخصية. وحين خرج جون محمد وشريكه المراهق لي مالفو في حفلة قتل أودت بحياة 10 أشخاص في منطقة واشنطن، فإن الأمر الوحيد الذي كان يقلقهما هو كيفية الحصول على بندقية لإنجاز مهمتهما الدموية.
إننا نصادر الشامبو من حقائب المسافرين في المطارات لكننا نقدم الأسلحة القاتلة للمجرمين والمعتوهين في عروض المسدسات.
أقيمت العديد من الاحتفالات مؤخراً لإحياء الذكرى العاشرة لمجزرة مدرسة كولمباين، إلا أن قلة يتذكرون مذبحة حدثت بعد خمسة أشهر من حادثة كولمباين عندما فتح رجل نيران مسدسه على جمع من المصلين في كنيسة معمدانية في فورت وورث. مما أسفر عن مصرع ثمانية أشخاص بينهم مطلق النار الذي انتحر.
قبل أقل من سنة من كولمباين قتل تلميذان معلماً وأربع تلميذات صغيرات في مدرسة في جونزبورو في آرك مستخدمين بندقية. وهذه حادثة أخرى لا يجري تذكرها على نطاق واسع. حين تتفشى ظاهرة كالاعتداء بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة، والتي هي شائعة كمباريات البيسبول في الصيف، فإنه من الصعب أن تعلق حوادث فردية في الذاكرة العامة.
القتل هو جانب من الحكاية.
رغم أن 12000 شخص يقتلون بالسلاح سنوياً، فإن حملة برادي لمكافحة عنف الأسلحة الفردية، وحسب آخر البيانات المتوفرة، تخبرنا بأن أكثر من 30000 شخص قد قتلوا بالسلاح خلال سنة قياسية. ويتضمن ذلك 17000 منتحر، إضافة إلى 800 قتلوا في إطلاق نار غير متعمد، و300 قتلتهم الشرطة. ففي العديد من حالات تطبيق القانون يكون تصرف رجال الشرطة ردة فعل على أشخاص مسلحين.
وهناك حوالي 70000 شخص أطلقت عليهم النار لكنهم لم يقتلوا، 48000 منهم تعرضوا لاعتداءات إجرامية، و4200 شخص ظلوا على قيد الحياة بعد محاولات انتحار فاشلة. و15000 أطلقت عليهم النار عن طريق الخطأ. وأكثر من 1000 أصيبوا بنيران الشرطة العديد منهم كانوا مسلحين.
تقدر تكلفة الرعاية الطبية لإصابات إطلاق النار في الولايات المتحدة بأكثر من 2 مليار دولار في العام. ويلاحظ مركز سياسات العنف، وهو مجموعة تطالب بضبط حمل السلاح، أن الإصابات غير المميتة الناتجة عن إطلاق النار هي المصدر الرئيسي لإقامات المستشفيات غير المشمولة بالتأمين.
وتعتبر حصيلة القتلى من الأطفال والمراهقين مخيفة. وحسب حملة برادي فقد مات 3000 طفل بإطلاق النار خلال سنة قياسية، أكثر من 1900 منهم قتلوا، 800 انتحروا، وحوالي 170 قتلوا خطأًوعشرون أو أكثر قتلتهم الشرطة. بينما تعرض 17000 لإطلاق نار لكنهم نجوا.
أتذكر وأنا أكتب من شيكاغو أن المدينة قد شهدت قبل عامين مقتل حوالي ثلاث دزينات من طلاب المدارس في حوادث إطلاق نار مختلفة الظروف خلال عام دراسي واحد. حينها قال لي آرن دونكان وزير التربية الحالي، ومدير مدارس شيكاغو في ذلك الوقت «هذا يعني أكثر من طفل كل أسبوعين، فكر بذلك».
في الواقع فإن هذه مشكلتنا، لكننا عملياً لا نشغل بالنا بها، فإذا كانت الجرائم مرعبة إلى هذا الحد، فإن علينا أن نشعر بمظاهر المعاناة العامة، لكننا ننتهي إلى عدم فعل شيء. الأمريكيون يعيشون حالة لامبالاة مفرطة حيال هذا الذبح عديم الشفقة الذي يبقي ثقافتنا غارقة في الدم.
هذا الموقف اللامبالي، هذا الرفض الإرادي لإدراك مدى الرعب، يترك المدافعين عن حق حمل السلاح الفردي أحراراً في ممارسة الضغوط في سبيل قضيتهم المجنونة من أجل المزيد من الأسلحة في المزيد من الأيدي. إنهم ملتزمون بالإبقاء على القتل أمراً سهلاً، وعلينا أن نتعهد بعدم إيقافهم عند حدهم.
■ عن «نيويورك تايمز» 25/ 4