مؤسسات منتهكة حتى النخاع
تضمن الأنظمة والقوانين، في أية مؤسسة من المؤسسات، عدم التعدي عليها، أوالتدخل والتخريب في هذه القوانين، أوتكييفها حسب الأمزجة والأهواء، فالمؤسسة، دائماً وأبداً، ليست شخصاً واحداً، فهي بقدر ما تعني الجميع، تعني كلّ شخص بالأهمية ذاتها. هذا ما يفترض أن يكون. لسنا بحاجة لعودة حمورابي حتى نقبل أنه لا ينبغي المساس بمؤسساتنا من قبلنا، فقوانين هذه المؤسسات تضمن حمايتها من أي اعتداء.
وهذا ما لا يحصل إلا عندنا، هذا ما لا يقتنع به أحد.. والأنكى أن تأتي الانتهاكات من جهة الثقافة، أوفي مؤسسات ثقافية.. في الفترة الماضية سجّل الوسط الثقافي حادثتين، بقدر ما هما مضحكتان ومثيرتان للاستهجان، فإنهما تؤشران وتعطيان الكثير من الإيحاءات والدلالات على غياب ثقافة المؤسسة في بلادنا.
الحادثة الأولى حصلت في المتحف الوطني في دمشق، فحيث كانت تقام فعاليّات «قصائد الفن التشكيلي» التي يشرف عليها الفنان فارس الحلو الذي بذل الكثير من الجهد لإظهار الجمالية الحقيقية لمثل هذا الملتقى، ولإشاعة تقاليد اللقاء الفني في فضاء طلق وحرّ، لأمكنة ذات أهمية تاريخية ومعنوية للسوريين، وبإشراك فنانين من مختلف دول العالم، حيث أنجزوا مجموعة من الأعمال الفنية التي أريد لها أن تجمع في متحف خاص بالفن التشكيلي فيما بعد. كانت المفارقة أن بعض موظفات المتحف الوطني ممن لم ترق لهنّ الموضوعات الحسية التي اشتغل عليها بعض الفنانين كبهرم حاجو وجبر علوان.. فقد تجرأت اثنتان وأقدمتا على القيام بإخفاء وتغييب لوحتين، لاعتقادهما أنهما تخدشان الذوق العام، انطلاقاً من وجهة نظر غيبية.
أعادت الموظفات اللوحتين اللتين أردن تغييبهما بعد أن استشعرن خطورة ما أقدمن عليه. إلا أن أحداً لم يتعرض لهن بالمساءلة.. وتمّ التعتيم على الموضوع.
الحادثة الثانية حصلت في المركز الثقافي في القامشلي، وبالتحديد ضمن فعاليات مهرجان القامشلي الشعري الرابع، إذ كان من المقرر أن تمتد فعاليات المهرجان-سيء الصيت هذا العام- لأربعة أيام متتالية، حيث الختام بأمسية نقدية يشارك فيها مجموعة من النقاد، إلا أن مدير المركز الثقافي هناك، السيد عبد الله الملالي، قام بإقفال المركز لأسبوعين متتاليين في وجه المهرجان، لأسباب شخصية تعزى إلى وفاة أحد أقاربه (خاله)، ولكن، مع تعازينا الحارة للسيد مدير المركز، نسأل: هل يحق لفرد موظف، بأي مركز كان، بغضّ النظر عن أهميته في هذه المؤسسة أو تلك، أن يقدم على التدخل في سير أي نشاط كان، بشكل يسيء للمؤسسة بسبب الجهل، أو اعتقاد امتلاك الحق في إغلاق مؤسسة عامة، ولو ليوم واحد، لأسباب لا تعني سواه؟؟
تستحق مؤسساتنا بعض الاحترام لقوانينها بدءاً من المستوى الثقافي للعاملين فيها، وانتهاء بالقانون العام للمؤسسة الذي يعتبر مقدساً في دول العالم كلها.
هاهي ذي القوانين تنتهك، مثل الكثير من الأشياء التي اعتدنا أن تنتهك تحت مرآنا، واعتدنا أن نغض نظرنا عما نراه، ونتبجح بالقول، وبالصوت العالي، إنّ لدينا مؤسسات محترمة تؤدي المطلوب منها على ما يرام!!