موسيقا.. وإشارات عنف.. ورموز ميتة!
ظهرت في السنوات الأخيرة بعض المقطوعات الموسيقية والأغاني التي تتميز بطابعها الملحمي «epic»، ومن سماتها أنها منتشرة بشكل واسع على المستوى العالمي، ولا تنتمي إلى الثقافات المحلية للشعوب، ويسمعها جمهور واسع من مختلف الفئات والشرائح المختلفة وخصوصاً الشابة منها، تحمل المقطوعات الموسيقية التي نركز عليها هنا، عناوين وأسماء تختلف في الشكل ولكنها تتفق في المضمون..
يغلب على العناوين المختلفة التي تندرج تحتها هذه الأغاني، التحريض على العنف وتستخدم لذلك مفردات تستقيها من اللغة الملحمية الأدبية للشعوب القديمة نفسها، كالمقطوعات المعنونة بـ: (المعركة العظمى، ابنة النار، حماة الحقيقة، خطوتان من الجحيم، الشمس والفولاذ، ملحمة الخالدين، سقوط الظلام، نهوض التنين.. الخ). أو تلجأ إلى استخدام مقولات من الأدب القديم خاصة (الأدب المرتبط بمرحلة الإقطاع في أوروبا) والأمثلة عليها من مفردات الأغاني كثيرة منها (السقوط، الاستعداد للمعركة، المعركة العظمى، المجد، الشرف النبيل.. الخ).
أما السمة العامة لهذا النوع من المقطوعات فهي الموسيقى الصاخبة المتصاعدة تدريجياً، والتي تسبب، في كثير من الأحيان، نوعاً من التعود يصل أحياناً إلى الإدمان على سماعها بشكل دائم، رغم ما تسببه من أضرار جدية للدماغ وحاسة السمع، كما يؤكد الأطباء والمختصون في علم النفس، ويطلق على هذه الحالة اصطلاحاً اسم “الإدمان على المنتجات الرقمية أو الإلكترونية”، وتحمل أسماء شائعة أخرى مثل: (عيش الجو – حق في السماء – المتعة في الموسيقى – الطيور المهاجرة.. الخ)، وقد دمجت في هذه المقطوعات الملحمية أساليب من الميتال، وما يطلق عليه البعض “الموسيقى الشيطانية” وغيرها من الأساليب الموسيقية التي تعبر عن حالات الاغتراب.
يجري تقديم هذا النوع من الموسيقى بأسلوب وطابع معاصر يضفي عليها التميز والجاذبية والإثارة، يتمثل ذلك في الصخب والحماسة المصحوبة مع صور مصممة باحترافية عالية في مقاطع فيديو هذه المقطوعات التي تبثها بعض قنوات اليوتيوب. إذ يتبين أن هذه المقطوعات الموسيقية “الملحمية” تحكي قصصاً عن معارك معاصرة، تدور أحداثها في مدن حديثة، تحولت إلى رماد بعد حرب كبرى ضد «الظلام»! مما يذكر ببعض المشاهد التي تتقاطع معها في الأفلام السينمائية الهوليوودية، التي تعرض منذ التسعينيات وتحرض على العنف وتسوق رموزاً محددة ومصنعة في استيديوهاتها، مبشرة بحالة قصوى من العنف تهدد العالم وتنذر بفنائه وتمجد الحروب!
يغلب اللون الأسود على ملابس المقاتلين والمقاتلات في هذه الصور، وفي صور أخرى جرى استخدام اللون الأسود واللون البرتقالي بشكل مكرر، فيظهر فيها ذاك المقاتل أو المقاتلة في محيط من اللون الأسود السائد في المدينة، مضافاً إليه اللون البرتقالي للنار والشرار المتطاير، وكأن معركة كبرى حدثت هنا! يؤكد المختصون في دراسة الألوان ودلالاتها وتأثيرها على الإنسان أن اللون البرتقالي مضافاً إليه الأسود يدل على القهر، ويثير الشعور بالخوف والقهر عند الإنسان. والمثير هنا أن «داعش» كانت قد استخدمت هذين اللونين في مقاطع الفيديو التي بثتها لإثارة الرعب في نفوس الناس!
صور أخرى يتكرر فيها اللون الأحمر مضافاً إليه الأسود، وهذا المزيج يثير الاستقلالية عن الآخرين، والفردانية وصعوبة التأقلم الاجتماعي. كذلك يجري استخدام اللون الكحلي أو الأزرق المسود في الفيديو المصاحب لهذا النوع من الأغاني، وهو ما يمكن أن يثير عدم الاتزان النفسي والعاطفي، والكآبة، والميل إلى رفض كل شيء، حسب ما يذكره المختصون في تحليل الألوان.
وأخيراً، تتقاطع هذه المقطوعات الموسيقية أيضاً مع قصص وصور بعض أفلام الكرتون المتحركة التي تهيمن على صناعتها شركات عالمية، وتتشارك معها ليس فقط في بعض الصور الرمزية فحسب بل تتعدى ذلك إلى ما تحمله في طياتها من وظائف يأتي على رأسها مهمة ترسيخ رموز غريبة في أذهان الأطفال، أبطالها محرضون على العنف، وهذا ما جعل الأطفال يكبرون وهم محرومون من خياراتهم ورموزهم الحقيقية.