ربما ..! «قاسيون» بوصفها مائدة مفتوحة
في الوقت الذي تتحدث فيه الصحف عن كل شيءٍ وتنسى نفسها، تقدّم الحلّة الجديدة من جريدتنا الحبيبة «قاسيون» ذريعةً مناسبةً للحديث في شؤون البيت.
«قاسيون»، كصحيفة أسبوعية، اختارت يوم الأربعاء موعداً لتحريرها، ما يعني أن هذا اليوم يتميّز بالازدحام والصخب يتشارك فيه الفريق التحريري والفني والإداري.
دائماً تبدأ الحركة الأولى من جوع الزميل جهاد أسعد محمد، رئيس التحرير الجديد.. نعم الجميع باتوا متفقين على أنه متى عضّ الجوع جهاداً فإن هذا يعني أن الطعام آت، أما إذا حدث المكروه الكبير وجاءنا مليء البطن شبعانَ، فهذا يعني أن جوعنا سيستمر إلى ما شاءت معدة القيادة التّحريرية.
في العادة يذهب علي نمر ويجلب الطعام، وفي العادة يرافقه عادل ياسين بحجة مساعدته في حمل الكمية الكبيرة، لكن و«بصراحة- كما هو عنوان زاوية الرفيق ياسين» لا يرافق علي إلا ليرغمه على جلب الفروج المشوي بدل الفلافل، فهذا المناضل النقابي يصر على الدفاع عن حقوق العمال بالطرق المثلى، وحتى على صعيد تحسين الطعام بات ذهابه يعني لذائذ الفروج...
علي نمر، ذو الطلعة الحزينة، هو من يمدّ لنا السُّفرة، وهو من يلُّمها، وفوق هذين عليه تحمّل استفزازاتنا لأنه لا يأكل إلا صامتاً صمتاً تاماً، وخلال هذا الصمت الذي يبدو فيه بليداً للغاية، يجري ذهنه خلاله حصاداً فريداً من نوعه لكل جولاته الميدانية التي تثمر مواد ساخنةً، لا تعرف كيف ولا متى نبشها..!!
أثناء المائدة القاسيونية الأسبوعية غالباً ما يأتي عبادة بوظو وقت الطعام. هو لا يكلّف نفسه عناء انتظار مجيء الوجبة، ولا انتظار ترتيبها على الطاولة، بل يأتي وعلى الفور يجد الأمور جاهزةً فيضع كل تنظيراته السياسية جانباً، لكونه يدرك تمام الإدراك أنه لا سياسة تجدي مع الجوع!!
إسماعيل سويلم وطارق سليمان، مخرجا الجريدة، يقضيان اليوم في حرب مفتوحة على الجميع، لولاهما لعم الركود.. حركشة بهذا، مماحكة لذلك.. وهكذا يصممان مناخ المرح العام كما يصممان الصفحات.
بين يوسف البني وحسان منجه ووسيم الدهان تجري مياه صفحات المحليات والتحقيقات والاقتصاد، ومن خلالهم يشتد العصب الأساسي للجريدة المرتبط بواقعها الحيّ كأولوية لا تضارع.. هؤلاء الشباب يأكلون وهم لا يتوقفون عن تناقل أخبار من هنا وهناك، وقضايا مختلفة الأهمية، وبينما هم منشغلون بنقاشهم يكون محسوبكم حائراً في كيفية السطو على فخذ الدجاجة بعدما أعلن في الأسبوع الماضي أنه من هواة الصدور.
أحياناً تشهد المائدة مروراً سريعاً للدكتور قدري جميل حيث يتناول قدراً يتناسب مع نظامه الغذائي ويمضي، أو أن تمر إيمان الأحمد أو لينا محمد.. أو أن يأتي عبد الرزاق دياب، فرغم أنه ضيف على صفحات الجريدة تحوّل إلى ضيف مائدة، لا بل إن الأمور الدراماتكية التي طرأت، وعبد الرزاق بارع في هذه الانقلابات، جعلته هو من يستقبلنا على غدائنا.. ولا يمكن أن يمر الأمر دون حضور فاعل وقوي للرفيق المناوب سلام نمر، بديل أبي غاندي (وهذا وحده حكاية) المسائي.. فسلام القاعد بالمرصاد لا يترك شيئاً يمرّ بسلام بدءاً من «الجزيرة الرياضية» وانتهاء بالوليمة.. هل قلت: وليمة؟؟ ما أكبرها من كلمة، فكل ذلك يجري، وكل هؤلاء يجتمعون، على طاولة بالكاد يصل طولها إلى المتر وعرضها إلى نصف المتر!!
نأكل ثم نهمُّ بصفحاتنا بالنّهم ذاته والروح ذاتها.. فمن هذا الخبز الطيّب، وهذه الوجبة الفقيرة تبدأ فصول الحكاية.. فطاولة الطعام في «قاسيون»، على ما هي عليه من صغر في الحجم واتساع في المدى، لا تختلف عن «قاسيون» الجريدة في قلة الإمكانيات وعظمة الطموح.. نعم من خبز هذه المائدة تبدأ معركة الدفاع عن خبز الشعب..
رائد وحش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.