طلال سلمان طلال سلمان

أمير المؤمنين في العصر الأميركي؟

 لقد تساهل الإسلاميون في الشكل: البذلة، بدلاً من الجلابية، ربطة العنق، الدراسة في الغرب، وفي الجامعات الأميركية على وجه التحديد، شرح الشريعة بلغة إنكليزية صحيحة، ولكن بالمفاهيم التي ذهبوا بها وعادوا بها.

إنهم ينطلقون من قرارهم بأنهم الناطق باسم الإرادة الإلهية، فان تنازلوا فهم أصحاب الإسلام، لا شريك لهم فيه، وان تنازلوا أكثر، اعترفوا بالمسيحيين واليهود كأصحاب كتاب.. ولكنهم، في الوقت ذاته، لا يعترفون بمسلمين مختلفين عنهم. إذا كانوا هم «الإسلام» فان ادعاء الآخرين أنهم «مسلمون» تزييف ونفاق!

السلطة أقوى من الدين. الدين وسيلة الى السلطة لا غير. ولصاحب السلطة أن يختار من مبادئ الشريعة وتفسيراتها ما يمكن من إلغاء الآخرين. يلغيهم بالتكفير، بالطعن في صحة إسلامهم.. أما غير المسلمين فليس من حقهم المشاركة. هم رعية من أهل الذمة تحت حماية الحكم ذي الشعار الإسلامي. لا المسلمون المختلفون في الرأي أو في الموقف السياسي مواطنون متساوون معهم، ولا المسيحيون (أو اليهود) مواطنون. والانتخابات بيعة.. ولذلك لا يهم كم جمع المنافسون من أصوات، حتى لو كانت - بمجموعها - أضعاف ما نال مرشح الإسلاميين. هل نسينا انه بعد الخلفاء الراشدين لم يحكم أي خليفة بالانتخاب. الأرجح أن الأكثرية الساحقة من الخلفاء قد حكموا بالسيف، والسيف أفصح من صندوق الاقتراع. لا تحفظ ذاكرة المسلمين من أسماء الخلفاء الذين حكموا بالعدل إلا نفرا قليلا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.

البلاد فسطاطان: فسطاط المسلمين المؤمنين وفسطاط المارقين والخوارج وأهل (الردة): للمؤمنين بالخليفة (الرئيس) السلطة وللمرتدين السيف.. باسم الشرعية.

قرأ الإسلاميون سيرة الحكم باسم الإسلام أكثر مما قرؤوا روح الدين الحنيف. قرؤوا الخلافة وتاريخ الخلفاء. قرؤوا مؤامرات الخروج على الخليفة بوصفها خروجاً على الدين. ليس للخليفة «معارضة». المعارضة خروج على الإرادة الإلهية. أليس باسم هذه الإرادة معززة بالواجب الشرعي، يتوج الخليفة ظلاً لله على الأرض. من يخرج من دائرة الظل هلك ولو كان من أهل البيت، وفي المدينة المنورة او حتى في مكة المكرمة.

لم يعرف حكم الأمويين والعباسيين والفاطميين وحتى المماليك والعثمانيين معارضين وموالاة. الحكم للسيف والسيف هو من يقرر الإيمان. المعارض كافر لأنه يعترض على حكم الله الذي صادره واختزله الحاكم ـ الخليفة ـ أمير المؤمنين بشخصه ومن معه.

لم يعرف الحكم الإسلامي في أي عصر الانتخابات أو الدستور: البيعة أو القتل، والقرآن بمفسره لا بمضمونه وروح النص فيه.

من يستطيع الزعم أن من حكم بعد الخلفاء الراشدين قد وصل الى الخلافة بأصوات الأكثرية؟! لقد وصل عموماً بالسيف. ومعروف ان العديد من الخلفاء لم يكن لهم من الحكم إلا الاسم، وان الحاكم الفعلي كان قائد العسكر وليس الخليفة. الم يُنصب بعض الأطفال خلفاء؟ الم يكن معظم من حكم باسم الخلافة العباسية والفاطمية من بعد، من غير العرب الذين أسلموا بالسيف؟ ألم تنتهِ الخلافة إلى غير العرب، ثم ارتأى صاحبها العثماني أن يكون سلطاناً لا خليفة يمكن الطعن بنسبه. المهم أن تبقى له القدرة على أن يحيي ويميت بأمره وبشرعه تاركاً للمفتين من موظفيه أن يتخذوا من كلامه بديلاً من شرع الله؟

كيف يمكن محاسبة «الإخوان المسلمين» بالدستور الذي يكتبه البشر وهم يرون في أنفسهم أنهم يستندون الى الدستور الإلهي، وحدهم بغير شريك؟

ربما لهذا وافق الحاكم في مصر أن يستبدل الصيغة الدستورية بأخرى معدلة، ولعله مستعد لاستبدال الجديدة بثالثة... فكل ذلك سطور بحبر على ورق، أما القرار فله منفرداً، بقوة استفتاء قد لا يشارك فيه إلا المؤمنون بعودة الخلافة!

 عند السياسة يجب ان يرتاح الدين. الخليفة مفوض مطلق وله الشرعية المطلقة، وله على الناس حق الطاعة، وليس للناس حق المحاسبة.

ولكن ماذا عن اختلاف الزمان؟ نرجع الى «المرشد» فيفتي لنا ويقرر عنا:

في السياسة لا حرج في العلاقة مع الإدارة الاميركية. لا حرج في اتخاذها مرجعاً. ليس الإيمان بالدين الحنيف شرطاً للعلاقة السياسية. كثير من الخلفاء حالفوا خصومهم من الكفار ضد إخوتهم من المؤمنين، بل أحياناً ضد أشقائهم وأهل بيتهم. من قال إن العلاقة مع البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي حرام أو كفر، بغض النظر عن شروط القروض؟

من قال إن العلاقة مع العدو الإسرائيلي كفر أو حرام؟

ألم يهادن الرسول، خلال حروبه؟ ألم يعقد الاتفاقات مع من كانوا في حكم الأعداء؟.. هادن حتى تمكن. وها نحن نهادن حتى نتمكن. خلال هذه الفترة لا بأس من طمأنة العدو. وماذا إذا كتب الرئيس لنده الإسرائيلي مجاملاً ومطمئناً، حتى لو بدت المجاملة أقرب إلى النفاق ولا تليق بمقام «صاحب مصر»؟ أليست الحرب خديعة؟! لماذا لا نخادع الخارج طالما أننا نخادع الداخل، حلفاء وخصوماً؟

على أن مخادعة الداخل تبدأ وتنتهي لتكرس احتكار السلطة: فالأمر لصاحب الأمر طالما أنه «صاحب مصر» فكيف يناقش في حقه في محاسبة الخارجين على طاعته؟! لقد تكرم عليهم بدستور لحكمه، وهذا فضل يذكر له، فكيف يرفضونه؟ ثم يرفضون التعديل الذي تكرم فأجراه على النص الأول، ومن أين لهم بحق الرفض؟ إنها ردة إذن، وليس لأهل الردة إلا السيف!

لقد وصل «الإخوان المسلمون» الى الحكم في مصر، وفي جهات أخرى، بمصادفة قدرية. كانوا وحدهم المنظمين وأصحاب الخبرة والقدرة على التنظيم والحشد واستخدام الشعار الإسلامي في بيئة متدينة ومستعدة لقدر من التعاطف مع «مظلوميتهم التاريخية» نتيجة تصادمهم مع أهل السلطان في ماضي الصراع على السلطة..

وصلوا بأكثرية الصوت الواحد. هذا غير مهم. لقد أدت الديموقراطية دورها وعليها أن تنسحب من المسرح. صاح كبيرهم: «ها قد استعدنا زمن الخلافة.. وأنا الخليفة والأمر لي بعد الآن فانتشروا!» وانتشر «الإخوان» في المؤسسات والإدارات ومواقع السلطة. حيدوا الجيش، لكن القضاء كان عقبة. تحايلوا عليه فلما عصا الأمر تجاوزوا الدستور الذي شاركوا في صنعه وكتبوا دستوراً جديداً.. وحين اعترض القضاء قفزوا من فوقه واعتبروه من مخلفات عهد الطغيان. سيكون لهم قضاء منهم، أليس الرئيس ـ الخليفة - القاضي الأول والمرجع الأخير؟.

تبقى القوى السياسية. حسنا، سيكون لها الخيار: إما الدينار وإما السيف. إما الصمت وإما السجن (أو القبر إذا لزم الأمر).

ثم.. من هذه القوى؟! إنهم أفراد أو جماعات محدودة تطالب بحق المشاركة، تدعي أن جمهورها أعرض وأقوى.. فليكن الشارع هو المرجع: لنا شارعنا ومعنا السلطة ولهم شارعهم في مواجهة السلطة. ليحكم السيف!

..وأول الغيث رزمة من الضرائب التي تظهر جبروت الخليفة وقدرته على الإيذاء: تقبلون نقصاً في الديموقراطية باسم الدستور، أو نقصاً في أسباب الحياة يأخذكم إلى مهنة العوز وذل الجوع؟! أتريدون الديموقراطية مع الشبع ايها الكفرة؟!

لقد خيرتكم فاختاروا وقد أعذر من انذر!

• عن «السفير» بتصرف