غيولا كرودي.. المتواري عن الأنظار
يقول الكاتب الهنغاري غيولا كرودي: «هربت من منزل والدي لأصبح صحافياً، تولهتُ بحب ممثلة من الأرياف، وكنت سعيداً. كنت فناناً شربت ولهوت، وأحببت، وماذا حدث لي أيضاً؟ لا أعرف!».
في عام 1961 علقت اللجنة الوطنية الهنغارية لليونسكو على هذا فكتبت: «كانت هذه هي قصة حياته في الواقع. أنه يتحدر في الأصل من طبقة النبلاء، ولكنه كان ريفياً، رغم أنه قضى حقبة طويلة من حياته في المدن وفي أعماله مكان لشعر الريف الهنغاري وكذلك لصخب المدينة، للشباب المتغزلين بالنساء الجميلات اللواتي يدرن رؤوس الرجال، للمقاهي الأدبية، لحمامات البخار وسباقات الخيل ولعب الورق ومواعيد الغرام ... كان هائماً على وجهه دائماً، تملؤه الأشواق والرغبات، يطوف بالنساء وبالطعام رجلاً يبشر بتفاهة الحياة».
بروست هنغاريا
أطلق عليه اسم «بروست هنغاريا» ربما لأنه كان يبرز من حول أبطاله.. اختلاط بين الماضي والمستقبل، ولأن غيولا كرودي كان – هو أيضاَ – طوال حياته وفي أعماله جميعها يبحث عن زمان ضائع، هارب يفلت من بين الأصابع.
كتب كثيراً وعندما كان يخسر في اللعب أو في سباق الخيل كان يجلس في أحد المقاهي فيخلد بكتابات مرهفة مغامرات فرسان السباق والنساء الصغيرات والصحفيين الذين يشتبكون في مبارزات مع الضباط، وهناك بعض المتعصبين لكرودي لديهم ما يتراوح بين مائة وعشرين ومائة وثلاثين كتاباً من مؤلفاته. من رواياته: العربة الحمراء، البومتان، زمان المرحوم شبابي، ثمن النساء، حياة كارمر ريزيدا الجميلة، رفيق السفر. أما أهم مجموعاته القصصية: سندباد، الساقان المرفوعتان في الهواء، الحلم والحياة، كأس من العرق.
وإذا كانت قصة «النبيذ» لغيزا غاردونيي تتناول بالوصف حياة الفلاحين، فإن قصة الصحافي والموت تعطينا فكرة واضحة تكاد تكون تفصيلية ودقيقة عن حياة شريحة المثقفين أو الإنتلجينسيا الهنغارية من أوائل القرن العشرين إلى ما قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية.
الصحافي والموت
تحكي القصة عن الصحفي «تيتوس سبلاكي» الذي حكمت عليه إدارة النادي بالإعدام في القاعة التي اعتاد أعضاء النادي أن يعقدوا فيها اجتماعاتهم السرية ومحاكماتهم الشرفية وجلسات هيئة المحلفين لشؤون المبارزات منذ أن تقاذف هؤلاء السادة في سالف الزمان في هذه القاعة في ختام حفلة ونزعوا آلات الكمان من أيدي الغجر وتضاربوا بها، في هذه القاعة نفسها التي حدثت فيها الذكرى المشؤومة جرت محاكمات الشرف بين المتبارزين.
سبب حكم الإعدام مقالة لاذعة كتبها «تيتوس سبلاكي» وهو السبب الذي يجب أن يموت من أجله على يد عقيد في سلاح الفرسان.
تصرف «سبلاكي» في هذا اليوم على غير عادته في مناسبات المصائب العائلية التي كان يختلقها اختلاقا فأول ما خطر في باله أن يطلب سلفة من جريدته ، إن السلفة تصالح الصحافي مع الموت ومع الحياة. وقرر أن يموت ميتة الرجال، اشترى قبعة جيدة وبدلة جديدة.
استخدم القبعات والمظلات ليتحول إلى كائن ليلي يتوارى عن الأنظار عبر قبعته، يدخل إلى الأماكن العامة ويطلب الطعام، وبعد أن ينهي طعامه يضع قبعته التي بسببها يظنه الناس من نخبة المجتمع، ولكنه يختفي فجأة دون أثر. أما في الحقيقة فقد كان صحفياً حكم عليه بالإعدام!
ربما كانت هذه القبعة العجيبة سبباً في غياب كثيرين، تحولوا بفضلها إلى كائنات ليلية تحوم أطيافهم في الليالي المقمرة، دون أن تلحظهم عيون سلاح الفرسان أو تلمسهم أياديهم.