بين قوسين: أحمد أبو سعدة
الرجل الذي جاب العالم بكاميرته، مقتفياً أماكن ثورات التحرر في سبعينيات القرن العشرين، وجد نفسه وحيداً، وقد تجاوز الستين من عمره، مع أرشيف ضخم من الصور. عاش زمناً طويلاً مع ثوار أرتيريا، وقطع آلاف الأميال كي يلتقي غيفارا، وباتريس لولومبا، وصوّر الجبهة السورية خلال الحروب المتعاقبة مع إسرائيل، والحرب العراقية الإيرانية، وقبلها فيتنام، وأنغولا، وجبهة تحرير الصومال، والجنوب اللبناني.
يروي سيرته باضطراب، بعد أن تداخلت التضاريس في رأسه، لكنه لم ييأس. مازال يبحث عن دور. لا يريد أن يكون متفرجاً. أسأله عن أرشيفه من الصور؟ فيجيب بأن جزءاً كبيراً منه، قد تمّ إتلافه، أثناء تجواله، غير عابئً بذلك، طالما أن شاشته الخاصة تعمل بجد. لقد تعلّم على الفقدان، وبات على يقين بأن الحياة تمشي على هواها، وتصطاد الأعمار في اللحظة التي لابد منها. أثناء تصوير أحد الأمكنة من الطائرة، هوت به فجأة، لكنه نجا بأعجوبة. منذ تلك الحادثة تعلّم درساً بليغاً يتعلق بالأقدار المكتوبة. في مغاور أرتيريا وجد نفسه على بعد نصف متر من أفعى سامة، لكن أحدهم بتر رأسها قبل أن تبث سمومها في الجسد النائم والمتعب.
يرفض بأن نصفه بالمغامر، لقناعته اليقينية بالمبادئ الثورية التي كان يؤمن بها، لكنه يعترف ـــــ في المقابل ـــــ بالخيبة لمآل معظم الحركات المسلّحة في العالم، وخصوصاً الثورة الأريترية التي انتهت بعد الاستقلال في أحضان إسرائيل. يقول «ابتعدت بسبب سلوكيات غير ثورية». لعل هذه العبارة تختزل سيرة هذا الرجل الذي لم يحد عن دربه، منذ نكبة فلسطين الأولى إلى اليوم.
محطته الأخيرة كانت في دارفور التي زارها أكثر من مرّة، وقد سجّل وقائعها في كتاب مصوّر بعنوان «دارفور: العاصفة السوداء»، رصد فيه نشأة مشكلة دارفور، وبداية التمرّد في هذا الإقليم، وفوضى الصراع العالمي على هذه المنطقة الغنية بالنفط والمعادن الثمينة، متوقّعاً تقسيمها.
هذا المناضل الأممي اسمه أحمد أبو سعدة!