وشوم جدتي: ذاكرة شعب في جسد منكوب
الفيلم الذي عرض في القامشلي في كنيسة القديس يوسف للأرمن الكاثوليك وسط حضور جماهيري وإعلامي وثقافي مميز (ترجمة : د.أنطوان أبرط، وتنفيذ: جاك أنطوان أبرط).. يتحدث عن سيرة عائلة حفيدة الجدة وهي المخرجة والمقيمة في السويد، وتكنى الجدة باسم (خانوم)، تبحث المخرجة عن سر الوشوم الموجودة على يدي ووجه الجدة، ما علاقة الدولة العثمانية وعلمها الموشوم على يد جدتها الأرمنية؟
الجدة كانت قاسية وغاضبة ومشاكسة وتكره التلامس البدني كما كانت علاقتها الجسدية مع زوجها باردة جداً.
تبحث المخرجة عن سر سوء أخلاق جدتها التي كانت تشتم دائما كل من حولها، وكانت سلبية في حياتها تكره الجميع.
ثم تبحث المخرجة عن سر ذلك لتعرف فيما بعد أن معظم النساء الأرمنيات تعرضن للاغتصاب من الأتراك، أو أجبرن على العمل في الدعارة، كانت جدتها من تلك النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب من جندي تركي حيث كانت تقول لأمها أن أحد الجنود يضع شيئا قاسيا في مؤخرتي، دون أن تستطيع الأم أن تحميها. تزور المخرجة أماكن تعرض لها الأرمن للمجازر منها منطقة مركدة في سورية في محافظة دير الزور وتزور الكنيسة أو الدير والمتحف الذي خلد المجزرة.
بعد ذلك تذهب إلى أمريكا (هوليود) لتزور أخت جدتها (لوسيا) التي تشرح سبب وجود الوشوم على يديها، ولكنها تخفي الحقائق المتعلقة بالإبادة الأرمنية حتى لا تلحق العار بالعائلة.
أيضا تزور يريفان عاصمة أرمينيا، حيث تلتقي هناك المرأة المعمرة (ماريا) ذات 104 المائة والأربع سنوات التي تتحدث عن المجازر، وكيف كان الجندرمة التركية يهاجمون البيوت الأرمينية ويختطفون النساء خاصة الجميلات منهن ويسرقون العائلات الثرية ويقتلون الرجال ويختطفون النساء، وكيف خطف الأتراك والدتها أمام عينيها وخدعوا والدها ثم قتلوه، ولقد أخذوا (صانتوخ) الفتاة الجميلة، والسلطات التركية لم تفعل شيئا لحمايتهم رغم أن الأرمن كانوا من رعايا الدولة التركية، ولا تزال ماريا حتى الآن لا تستطيع أن تنام عندما تتذكر طفولتها، وتضيف لوسيا أن شخصاً كردياً قد أنقذ الأم والفتاتين من يد الأتراك، وعاشوا معه مدة خمس سنوات في مكان لا يعرفونه.
لا أحد من العائلة يقول الحكاية كاملة، فأخت الجدّة لوسيّا تروي جزءا منها فتتلاعب بالحقائق وترفض الحديث عمّا تبقّى، وأخوات سوزان يتحدثن عن الجدةّ بكثير من الأسى والحزن، خاصة بعد معرفتهن لواقعة الاغتصاب، والعمّة ماري تروي ما تعرفه من ذكريات مؤسفة عن العائلة وعن الجدّة الراحلة. لا يجب الحديث عمّا ما لا يجب قوله فالمسكوت عنه لا يجب أن ينكشف للعلن لأن العار يجب أن لا ينتقل الى الأجيال القادمة كما تقول العمّة «ماري».
الحفيدة، وهي المخرجة والمقيمة في السويد، كأني بها أرادت أن تسرد حكاية شعب كامل، حكاية ذاكرة في جسد منكوب، أو مهدور داخلاً وخارجاً، وكأني بها فيما استرسلت فيه، أرادت أن تترجم هذه الوشوم، أو تمارس تفكيكاً لتاريخ معتَّم عليه، بطريقة ابتكارية من خلال الدفع بالجدة إلى الواجهة، رغم أنها في الخلف دائماً، وفي حالة الغائب، لأن المخرجة أو الحفيدة هي التي استلمت زمام أمور السرد، وقابلت قريباتها وأقرباءها في ارتحالاتهم القسرية في المغتربات، بين بيروت والسويد وأرمينيا... إلخ، وبدت رحلتها البحثية عن سيرة حياة جدتها المركَّبة، سيرة متعدية لحياة امرأة عانت ما عانت جرَّاء مذابح الأرمن سنة 1915.
الفيلم الوثائقي يتعرض لمسألة إنسانية بحتة، ولم يتم التعرض لها مسبقا وهو يقدم طرحاً جديداً، ويتناول النساء الأرمينيات اللواتي نجون من الموت على يد الأتراك.
وهناك طرح وجرأة قوية في طرح فكرة اغتصاب النساء وعدم الخوف من العار خصوصا في المجتمع الشرقي.
فيلم «وشوم جدّتي» هو فيلم وثائقي ولكن ليس بالمعنى التقليدي للأفلام الوثائقية التي تناولت الإبادة الأرمنية هو فيلم شخصي جدا بقدر ما هو عام أيضا فلا التاريخ ولا السياسة كما هي مادة الأفلام الوثائقية التي تناولت الإبادة الأرمنية حاضرة في هذا الفيلم إلا بقدر ما يخدم حكاية الجدّة، ويبقى الفيلم محافظاً على مستواه الشخصي والفردي ليكون تأثيره على المشاهد في أقصى حالاته.