جوائز «مهرجان تسالونيكي السينمائي» العادلة
زياد الخزاعي زياد الخزاعي

جوائز «مهرجان تسالونيكي السينمائي» العادلة

أنصفت تكريمات «مهرجان تسالونيكي السينمائي الإغريقي»، في دورته الـ54 التي اختتمت مساء 10 تشرين الثاني 2013، الجميع. فوز «القفص الذهبي» للمكسيكي دييغو كويمادا ـ دياز بالجائزة الكبرى وبجائزتي الإخراج والجمهور معاً، تعميدٌ سينمائيٌ لعوالم المعلّم الراحل ثيو أنغيلوبولوس. ومثلها، روحه الملحمية وبصيرته الاجتماعية الانتقادية.

رحلة ماراثونية للفتى خوان (براندون لوبيز) ورفيقته سارة (كارين مارتينز)، المتخفية بزيّ ذكوري تفادياً للاعتداءات الجنسية، يقطعان خلالها بلدهما نيكاراغوا سعياً إلى تحقيق «الحلم الأميركي». يلتقيان، أثناء عبورهما فيافي المكسيك، يافعا آخر يدعى تشاوك (رودولف دومنكيز)، مهموما بعبور الحدود، لكن مشكلته أنه غير قادر على إخفاء عروقه الهندية، ما يجعله عرضة للمهانات ومصائبها. يتمعّن «القفص الذهبي» بشكل أساسي في علاقات أبطاله ونوازعهم الشخصية بين الحب والحقد، والشجاعة والتواطؤ، والذود والخيانة. ذلك أن المحن الخارجية التي يمرّون بها مقايسات لقوّة شكيمتهم وعنادهم في الوصول إلى نهاية منطقية للمغامرة الطويلة. وكالحكايات التراجيدية الكبرى كلها، نشهد الموت المتوالي لفرصهم، فيما يثابرون بعناد إنساني هائل للاحتفاظ بألفتهم. تترسّم مخاطر الطريق وعصاباتها ومرتزقتها ومجرموها وشرطتها وقوانينها وعبوديتها على يدي كويمادا ـ دياز جحيماً أرضياً يتربصّ بحيواتهم وبكاراتهم، قبل أن يحدّد مَنْ الذي عليه أن يدفع ثمن المنيّة أولاً. 

 

الموت أيضاً ثيمة «سوزان» للفرنسية كاتيل كولفير (الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم ـ الإسكندر الفضي، وجائزة التمثيل لساره فورستير)، الذي يتحيّن ببطلة شابة مغامرة وابنة سائق شاحنة خسر زوجته بسبب المرض الخبيث، تاركة إياه مع طفلتين. يسبغ الرجل المكلوم والكثير البكاء عليهما فيضاً من العواطف. تسيء كبراهما فهم رقّته وتفانيه، وتقع في محظور العلاقة المحرّمة، بينما تتشرّب الثانية منهما، وتصبح بمثابة القلب الرحيم لكليهما. وكما يحمل الفيلم اسم بطلته، يكون على مُشاهده واجب توليف حكايتها وتشعّباتها الدرامية، التي تميّزت بنقلاتها القاطعة والاختزالية، كي يندمج مع أساها المقبل عندما تتورّط مع شاب أرعن يهرِّب المخدرات بين المغرب وفرنسا. تُعدّد المخرجة كولفير عقوبة بطلتها: مقصيّة في سجن. خسارتها الجديدة متمثّلة بموت «روحها» الصغرى ماريا في حادث سيارة. فقدان ابنها الذي تبنّته عائلة غريبة، يسمّي سيدتها «أماه». تتحوّل سوزان إلى لعنة قدر تفكّك نسبها الصغير، وتحتّم عليها أن تدفع ثمناً مغالياً بقسطه الوجداني.

 

الفنزويلية ماريانا روندون رصدت، في «شعر سيئ» (جائزة الإسكندر البرونزي)، مفارقة عائلية مزجت الكوميديا السوداء ببصيرة مسيّسة انتقادية لأحوال مجتمع الرئيس الراحل هوغو تشافيز. البطالة غولٌ اقتصاديٌ يدفع كائنات ضعيفة إلى مذلّات متوالية. تفتتح روندون عملها بمشهد حاذق، نرى فيه البطل الصغير الوسيم جداً «جونير» (صامويل لانج) ابن الأعوام التسعة مع رفيقته وهما يتفرّسان بشقق بنايات سكنية مكتظة في حي فقير عند ضواحي كاراكاس، ويعلقان على أحوال قاطنيها وبؤسهم، حيث الفاقة عنوان اجتماعي صاعق للابتزاز والصفقات والخيانات والمحرّمات والخيبات الشخصية. لا تكمن مشكلة البطل في علاقته الندّية بوالدته مارتا (سامانثا كاستيلو)، التي تظنّ أن تخلّي زوجها عنهما نذير سوء بمثلّية مقبلة لإبنها، بل في شعره الأكرت الكثّ، وإيمانه بأنه سبب جفائها منه، في مقابل شغف جدّته بطلّته وسعيها إلى تقديمه كمغنّ في مسابقة تلفزيونية. يصوغ سيناريو روندون الذكي اكتشافات جونير لكينونته وقراره ومستقبله، مع شهاداته على الضيم الاجتماعي لوالدته التي تبيع عفّتها لاحقاً مع رئيسها النذل كي تؤمّن عودتها إلى العمل. يصبح رهان انتقاله إلى عالم البالغين حتمياً مع ماكنة حلاقة كهربائية لـ«جزّ» شعره السيئ.

 

*صورة المادة لقطة من "القفص الذهبيّ" للمكسيكي دييغو كويمادا ـ دياز

المصدر: السفير