«التاريخ يكتبه المنتصرون»..
يسلط المخرج الأمريكي «جوشوا أوبنهايمر» الضوء على تاريخ إندونيسيا الحديث في فيلمه الوثائقي (the act of killing) فعل القتل، الفائز بعدة جوائز منها جائزة الجمهور في مهرجان برلين السينمائي الأخير
يستعرض الفيلم التاريخ الإجرامي الشنيع لفرق الموت، التي قتلت ما يزيد عن مليون مواطن إندونيسي ينتمون للحزب الشيوعي خلال أقل من عام، بعد نجاح انقلاب الجنرال سوهارتو (المدعوم أمريكياً) على الرئيس سوكارنو في عام1965. وكانت تقود فرق الإبادة هذه، شخصيتان مارستا القتل بيديها العاريتين مباشرة وبوحشية بالغة، وتعتبر هذه الشخصيات بنظر الكثير من الإندونيسيين أبطالاً حقيقيين.
اعتمد المخرج طريقة ذكية لتصوير هذا الفيلم هناك حيث أوهم كل من شارك به، أنه سيقوم بمهمة تمجيد الأبطال المشاركين بتلك العمليات، وهم مازالوا مسؤولين موجودين في أعلى سدة الحكم ومناصب الدولة حالياً، معلنين وبكل وقاحة وبلا أدنى تأنيب ضمير، عن أفعالهم المجرمة أمام الكاميرا دون خوف من أي ملاحقة قانونية يمكن أن تطالهم، واصفين تلك الفترة التاريخية، على لسان أحدهم، بأن «التاريخ يكتبه المنتصرون»، وبذلك نصب لهم -المخرج- شركاً وقعوا به لإدانتهم بلسانهم، وكانت النتيجة بعد عرض الفيلم بأن يطلب رأس المخرج هناك بشكل فعلي.
قدم المخرج عمله المهم من خلال أسلوب (فيلم داخل الفيلم) مطلقاً العنان لأبطال الفيلم -المجرمين- وقاموا باستعراض الكثير من عمليات القتل التي مارسوها حقيقة في فترة سابقة من خلال التمثيل والمشاركة بأحداث الفيلم، ولم يخل الفيلم من بعض المشاهد الفانتازية للتهكم على هذه الجرائم التي وقعت تحت سمع وبصر العالم الغربي المتشدق بحقوق الإنسان والذي لم يحرك ساكناً آنذاك في حماية ضحايا هذه الإبادة الجماعية.
كان مشهد النهاية من أبلغ مشاهد الفيلم، حيث تابعت الكاميرا تصوير القاتل وهو يقوم بعملية قتل لضحية على سطح أحد المحال التجارية التي كانوا يقومون بعمليات القتل فيها، وما يتبعه ذلك من أزمة سعال شديدة تصيب القاتل الكهل وبصوت يشبه صوت خنق الضحايا الذين قد قام بقتلهم في شبابه..!! وبعد نزوله من على السطح يمر هذا القاتل داخل المحل التجاري، تتابع الكاميرا استعراض الأحذية والحقائب النسائية المعلقة على جدران المحل في إشارة بالغة بأن هذه المنتوجات داخل المحل قد صنعت من جلود ضحايا هذه المجزرة التاريخية الشنيعة..
الجدير بالذكر أن المخرج يحضر الآن لجزء آخر من الفيلم يتحدث فيه عن هذه الفترة التاريخية المظلمة، وآثر المخرج أن لا يذكر أسماء الفنيين الإندونيسيين الذين شاركوا بالعمل معه في الفيلم، خوفاً على حيواتهم من بطش السلطة.