الأغنية المصرية البديلة... وداعاً للكبار؟
هيمنت الأغنية التراثية والفولكلورية، وأسماء القرن العشرين من بديع خيري إلى فؤاد حداد مروراً بأحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين على الأغنية الشابة وموسيقى الفرق المستقلة. لكن اليوم، بدأنا نلحظ انزياحاً تدريجياً عن هذا التوجّه مع بروز شعراء من جيل اليوم يعكسون قضايا اللحظة وانشغالاتها.
لم يكن محمد محسن الفنان المصري الشاب الوحيد الذي بدأ من أغنيات سيد درويش، ولا مريم صالح التي شقت طريقها بدءاً من تراث الشيخ إمام. في الواقع، هيمنت الأغنية التراثية والفولكلورية، وشعراء القرن العشرين من بديع خيري إلى فؤاد حداد مروراً بأحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين، على «تراث» الأغنية الشابة في مصر وعلى موسيقى الفرق المستقلة. طرح ذلك تناقضاً، فكيف للغناء «البديل» أن ينطلق من الزمن «القديم»؟ وما لم يكن المشروع الفني مهتماً بالفولكلور بذاته، كالسيرة الهلالية أو أغنيات الصعيد، فإن الفرق الشابة ـ كما هي في كل مكان ـ يفترض بها أن تعبّر عن جيلها، فنياً كان ذلك التعبير أو حتى سياسياً، تماماً كما فعلت الكلمات «القديمة» في زمانها. لا يمكن اقتباس هجائيات «الفاجومي» أو سخريات بيرم التونسي إلى الأبد، في مجتمع تتسارع ساعاته وأحداثه. لذا فربما فرضت تلك الضرورة نفسها في النهاية، وشيئاً فشيئاً تبرز أسماء شابة، شعراء من جيل اليوم صاروا يمثلون معظم النتاج الفني الجديد.
برز اسم مصطفى إبراهيم (1987) في وقته المناسب مصاحباً «ثورة يناير». في 2011، أصدر عن «دار ميريت» ديوانه الأول «ويسترين يونيون»، ولحقه هذا العام بـ «المانفيستو» عن الدار نفسها. لكنّ الديوانين ليسا سوى جزء من مشروع الشاعر المتخرج من «هندسة الطيران» الذي شارك في العديد من المشاريع الغنائية وارتبط بداية مع المطرب محمد محسن الذي منح ألبومه الأول ــ أو الميني ألبوم ــ عنوان إحدى قصائده «اللف في شوارعك». وهي ربما أولى القصائد التي عُرف من خلالها إبراهيم الذي يشارك في الألبوم نفسه بقصيدته «سفينة نوح»، وإن انقسمت إلى اثنتين هما «يا شعب» و«يا معشر الثوار»، ويتعاون مع ابن جيله الشاعر مايكل عادل (1987) في إضافة فقرات للحن فولكلوري هو «بلدك بعيدة يا عنب»، بينما ينفرد مايكل (طبيب علاج طبيعي) في كتابة «أغاني تملا الحيّ» من «الميني ألبوم» نفسه.
لكن لمصطفى إبراهيم امتدادات أخرى، أبرزها مع مريم صالح التي تغنّي من كلماته «حصر مصر» و«سرعة الأيام». مريم التي غنت في بداياتها (ولا تزال) أغنيات الشيخ إمام، وأشهرها «شرفت يا نيسكون بابا»، تعتمد في معظم أغنياتها على الشاعر ميدو زهير (1975)، دارس الهندسة والاسم البارز في عالم الفرق المستقلة. من كلماته، غنت مريم «أنا مش بغنّي»، و«إصلاحات» و«وطن العك» و«يا بلدي طول الطريق»، ومن كلماته أيضاً بعض أشهر أغنيات فرقة «بلاك تيما» مثل «زحمة» و«بلاد الأي حاجة»، كما منح زهير دينا الوديدي إحدى أبرز أغنياتها «تدوّر وترجع وجع واعتكاف»، لكن الوديدي القادمة من عالم تقديم السير الشعبية، بدأت غناءها الفردي مع «الحرام» التي ما زالت ربما أشهر أغنياتها، من كلمات الشاعر منتصر حجازي (1974). الأخير الذي أصدر ديواناً وحيداً هو «لحظة هروب» (ميريت ـ 2003)، ارتبط بـ «وسط البلد»، إحدى (أعرق) الفرق المستقلة لو جاز التعبير (راجع الكادر). وشارك في بطولة التأليف مع حجازي، الشاعر الجنوبي إياد أبو بكر (1973)، بأغنيتين هما «قربيلي» و«مجنون»، ومثلهما للشاعر حازم ويفي (1976) هما «شمس النهار»، و«أنتيكا». ولـ «ويفي» أغنية أخرى حازت شهرة أكبر مع المطرب حمزة نمرة، هي «إنسان».
أما سلام يسري (1982) فله قصة أخرى. المتخرج في الفنون الجميلة ومؤسس فرقة «الطمي» المسرحية الذي يجمع بين الإخراج المسرحي والتلفزيوني وكتابة الأغنيات، يبدو على نحو ما عنصراً مشتركاً في مشروعي يسرا الهواري وآية متولي. أخرج يسري كليب يسرا «في الشارع» القائم على كلمات قديمة لأمينة جاهين من مقدمة فيلم «الحريف» لمحمد خان، لكنه كتب أيضاً للهواري عدداً من أغنياتها، مثل «بالمظبوط» و«مساحتي»، وكتب معظم أغنيات آية متولي مثل «حضور وغياب» و«مد وجزر» و«دفتر سفر».
لكن فيروز كراوية تعتمد في ألبومها الأول «برة مني»، على دائرة أكثر تنوعاً من الكتاب، منهم عمر طاهر (1974) الشاعر والسيناريست والكاتب الساخر، الذي تغني له كراوية «بطلي المثالي»، و«بافتح شباك الصبحية»، ومنهم حتى الروائي كأحمد الفخراني (1981) في «يا نينة» و«عاشق قليل البخت»، والشاعر رامي يحيى (1977) الذي أصدر ديواني «صعلوك» و«الغريب» (عن «ميريت» 2006 و2009)، و«كلام كريم» («دار روافد» ـ 2012).
دواوين رامي تنتمي إلى «نثر العامية»، لكن فيروز تغني من قصائده الغنائية «برة مني» التي صارت عنوان الألبوم، كما للشاعر تجارب مع فرقة «بلاك تيما»، أبرزها «إفلت زمام آمالك» و«حرّ». كذلك، فإنّ أحمد حداد (1984) يشارك في الألبوم بإحدى أشهر أغنياته مع كراوية وهي «القهوة». لكن الشاعر، وهو نجل الشاعر أمين حداد، وحفيد فؤاد حداد لجهة الأب، وصلاح جاهين لجهة الأم، يرتبط أكثر ما يرتبط غنائياً بفرقة «اسكندريلا»، التي تشكل العائلتين الفنيتين أبرز طاقاتها. يقودها الفنان حازم شاهين، وتغني من كلمات أحمد أعمالاً منها «هاتلي يا بكرة صفحة جديدة». وعلى العكس من رامي يحيى، تبدو دواوين أحمد حداد «حبة تراب»، و«بشويش» و«دولاب الهدوم» غنائية الطابع، جاهزة للغناء.
وسط البلد
تأسست فرقة «وسط البلد» في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، بعد انقطاع طويل لهذا النوع من الفرق في مصر منذ منتصف الثمانينيات. الفرقة التي تعتمد على صوتي هاني عادل، وأدهم السعيد، قدمت ألبومها الأول (2006) تحت عنوان «وسط البلد»، وهي أيضاً أغنية من كلمات منتصر حجازي، التي كتب أيضاً في الألبوم نفسه «هيلا هوب» و«يمكن». وتعتمد الفرقة على المزيد من الشعراء أبرزهم وليد عبد المنعم، وإياد أبوبكر، وحازم ويفي، وهدى حسين. وقد أصدرت ألبومها الثاني «روبابيكيا» عام 2011. وشاركت الفرقة في عدد من الأعمال الفنية المتنوعة، منها الفيلمان السينمائيان «ملاكي اسكندرية» لساندرا نشأت عام 2005، و«عودة الندلة» لسعيد حامد عام 2006.
المصدر: الأخبار