اليوغا.. ليست رياضة وحسب!
نور حسن  نور حسن 

اليوغا.. ليست رياضة وحسب!

بدأت الهند بإنشاء قاعدة بيانات لـعدد من وضعيات اليوغا، بهدف حماية تقنيات اليوغا الهندية التقليدية من أن تأخذ براءات اختراع من الغرب، بعد أن أصبحت صناعة عالمية تدر مليارات الدولارات، في محاولة لإثبات بطلان ادعاءات براءات الاختراع الغربية والأمريكية خاصة 

اليوغا، يعرف عنها كثيرون فقط بأنها ممارسة فلسفية وروحية ومادية هندوسية قديمة، ترتكز على مجموعة من الطقوس الجسدية والروحية، وأنها تستخدم طرقاً فنية تعتمد ضوابط محددة من التصوف والزهد والتأمل، للحصول على خبرة روحية، ومحاولة الوصول إلى فهم عميق للعالم والكون، تجمع بين حركات الجسم والوضعيات الثابتة مع تمارين التأمل والروحية المفعمة بقوة وذات طابع قدسي. ولكن ربما لم يخطر في بال الكثير من الناس وحتى من بعض ممارسي هذه الرياضة، كميات الأموال الطائلة التي تجنى من ورائها، بعد أن أصبحت إحدى «الصناعات» الهامة، ومصدراً يدر مليارات الدولارات.

استعادة «المنهوب»!

نشأت اليوغا في الهند، وجرى تطويرها في الأجزاء الشمالية من الهند قبل نحو 5000 سنة. وتطلق الأدبيات البوذية عليها مصطلح «التأمل»، ولا تشترط في ممارسها أن يتبع ديانة محددة أو حتى أن يتخلى عن عقيدته، لذلك نال علم اليوغا شعبية كبيرة خارج الهند، وبالأخص في الأوساط الغربية، باعتبارها علم يستهدف إعادة التوازن الكامل للإنسان، جسداً وعقلاً وروحاً، كما تشمل على نظام علمي قديم دوّنه العلماء الهنود القدماء، لكي يثيروا في الإنسان القدرات الكامنة في كونه إنسان، ولكي يرتقي تدريجياً ليسمو فوق آلام الجسد والقلق والفراغ الروحي الذي تعاني منه تلك المجتمعات.

اتخذت الحكومة الهندية مؤخراً قراراً بتشكيل قائمة مختصرة لأكثر من (1500) وضعية يوغا، منتجة بذلك قاعدة بيانات في فيديو رقمي للوضعيات، للوقوف أمام محاولات الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية الحصول على حق النشر، واحتكار هذه الصناعة المربحة، إذ تسعى الهند منذ عام 2001، لاستعادة حقها وانتزاع قطعة من الكعكة التي تتقاسمها الشركات الغربية الكبرى وتجني منها أموالاً طائلة، من خلال إنشاء قاعدة بيانات لـ«المعارف التقليدية»، والتي من شأنها منع هذه الشركات من استغلال تقنيات ابتكرها الهنود وطوروها خلال آلاف السنين، بالإضافة إلى تصنيف وضعيات اليوغا والمعروفة باسم (أسانا) كجزء من «المعارف التقليدية» للهند، وقد بدأ مجلس البحوث العلمية والصناعية  لوزارة العلوم والتكنولوجيا الهندية (CSIR) في تنفيذ المهمة الشاقة وتصوير خبرة اليوغا الهندية، وقد جرى تحميل تسجيلات 250 أسانا في المكتبة الرقمية للمعارف التقليدية (TK DL).  

أرباح غير متوقعة!

يؤكد أرشانا شارما، رئيس (TKDL) لصحيفة إنديان أكسبرس، أن «خبراءنا قد حددوا التقنيات المسجلة من الأدبيات المتوفرة من النصوص القديمة، ومما هو متاح الآن»، وتأمل الحكومة بتوثيق بقية الوضعيات خلال شهرين.

ويضيف شارما: «وعندما يحدث ذلك، فإن أي محاولة للمطالبة ببراءات الاختراع على تقنيات اليوغا الهندية التي تمارس منذ العصور القديمة يمكن إحباطها».

وتشير التقديرات إلى أن حوالي 300 مليون شخص يمارسون اليوغا في جميع أنحاء العالم، وقد أصبحت الولايات المتحدة أكبر مركز في العالم لصناعة اليوغا حيث تكلف هذه الصناعة  27 مليار دولار، بينما تقدر أرباحها بحوالي 80 مليار دولار حسب الإحصائيات المنشورة.  رغم أن أكثر من نصف عشاق اليوغا حول العالم هم الهنود، ولكن مازالت الهند أحد البلدان التي تفتقر إلى نهج تنظيمي يخطط وينظم هذه الصناعة للاستفادة من أرباحها. حيث يجري الاعتماد على الشركات الصغيرة المستقلة لتدريب اليوغا في الهند. 

بعد أربعة عشر عاماً، بدأت قاعدة بيانات المكتبة الرقمية للمعارف التقليدية TKDL والتي ركزت سابقاً فقط على توثيق النباتات الطبية والصيغ المستخدمة في أنظمة الطب الهندية، بالاهتمام بأوضاع اليوغا، بحيث تشمل جدولتها قاعدة البيانات الرقمية وإدخالها في أنظمة التصنيف الدولي لبراءات الاختراع. ويمكن لفاحصي البراءات الدولية الوصول إلى قاعدة بيانات TKDL للبحث في براءات الاختراع وإجراء الامتحانات بعدة لغات.

سرقة موصوفة «للمعارف»!

منذ عام 2009، ساعدت المكتبة الرقمية في إحباط ما لا يقل عن 200 محاولة لسرقة بيت المعارف الهندية ، لا سيما في مجال الطب، من بينها محاولتين في الشهر الماضي فقط.

ويؤكد شارما: «وهكذا، في كل مرة عندما يقدم أي فرد أو أية شركة متعددة الجنسيات، ملفاتها لبراءات الاختراع، فإن مكاتب البراءات الكبرى ستشير إلى قاعدة  بيانات المكتبة الرقمية للمعارف التقليدية في الهند.  ومن جانبنا، هناك فريق يراقب باستمرار براءات الاختراع التي يتم رفعها. وبهذا نستطيع نحن أيضاً من تقديم ملف اعتراض قبل المنح. وقد مرت بعض الحالات التي تحوي طلباتهم لبراءات اختراع، مع قاعدة البيانات عندنا، وهنا أثيرت تساؤلات، جعلت هؤلاء المتقدمين يسحبون طلباتهم!».