«أموت لكنني لن أستسلم»

«أموت لكنني لن أستسلم»

«لأجل مقاتلي مدينتي» هكذا كتب سيرغي سميرنوف، الذي كان طفلاً، وشهد معركة بريست، وعاش أحداثها مع المقاتلين المدافعين عنها، صدرت روايته عام 1965 بعد عشرين عاماً من انتهاء الحرب، مخلداً فيها ذكرى المدافعين عن القلعة،  فقد عرفهم، وعاش معهم، وشاركهم، ولذلك أراد أن ينقل من خلال روايته حقيقة ناسها، ووقائع حياتهم في تلك الأيام الصعبة.

قلعة بريست، التي بنيت في القرن التاسع عشر على الحدود الغربية للإمبراطورية الروسية، تحيط بها أسوار عالية وأنهار. شاءت الأقدار أن تكون هذه القلعة شاهدة لمأثرة أول معركة للدفاع والمقاومة ضد الاحتلال الألماني النازي للاتحاد السوفييتي، بدأت منذ 22 حزيران 1941، وخاضت مقاومة بطولية لمدة أسابيع..

ليست مجرد تاريخ!

ويؤكد سيميرنوف عن تجربته تلك: «كنت أحلم بالحرب دائماً، لأنني كنت أعيش في موقع عسكري، لكنني لم أتخيل حرباً بهذه القساوة، حرباً بهذه البساطة، تأتي فجأة على كل شيء»، فرغم سقوط مساحات واسعة من الأراضي بأيدي  النازيين،  إلا أن الألمان لم يتمكنوا من دخول القلعة، التي أصبحت عشية الحرب العالمية الثانية مركزاً لحامية من الجيش الأحمر، مكونة من 8000 جندي مع أسرهم وأطفالهم، إلا في أوائل تموز بعد خسائر بشرية رهيبة أمام المقاومة الضارية لقلة من المقاتلين الذين  قرروا المقاومة رغم انقطاع الاتصال مع موسكو ومقتل أكثرية الحامية وانسحاب البقية أثناء القصف التمهيدي الألماني.

في عام 2010 قررت الحكومة البيلاروسية، إخراج فيلم عن القلعة، والمأثرة التي حدثت فيها، وأخذت من رواية  سيميرنوف قصة الفيلم وبنت عليه السيناريو،  الذي أخرجه إيغور أوغولنيكوف وأنتجته مؤسسة «بيلاروس فيلم».

يؤكد أوغولنيكوف أن «قلعة بريست» والتي واجهت وصدت في 22 حزيران عام 1941 أولى ضربات النازيين على الاتحاد السوفيتي، إنها ليست مكاناً تاريخياً فحسب بل منبعاً للقصص الإنسانية قبل كل شيء. 

ويضيف المخرج أن عبارة «أموت لكنني لن أستسلم» التي تم العثور عليها منقوشة على أحد جدران القلعة بعد تحريرها في تموز عام 1944، تعكس بعمق أهم معاني هذا الفيلم.

حكاية القلعة البطلة

يروي الفيلم قصة الصمود تلك منذ أن بدأت القوات الألمانية هجومها بقصف القلعة في الساعة الثالثة صباحاً من يوم 22  حزيران. وكانت خطط الألمان تسعى لاحتلال القلعة بحلول ظهر اليوم نفسه. لكنهم لاقوا مقاومة شديدة من الجنود السوفييت المدافعين عن القلعة الذين كانوا قد شكلوا 8 كتائب للمشاة وكتيبة استطلاعية، وكتيبة مضادة للدبابات، وكتيبة مضادة للطائرات وفوجاً للمدفعية، أما الألمان فزجوا في المعركة فرقة المشاة 45 بتعداد 17 ألف جندي وفرقتي دبابات. وتمكن الألمان خلال الأيام الثلاثة الأولى للمعركة من تقسيم القوات السوفيتية المدافعة إلى عدة مجموعات منعزلة، اشتبكت اشتباكاً قاسياً مع القوات الألمانية. واستمرت المقاومة المنظمة في القلعة حتى أوائل تموز عام 1941.

مُنح القادة الثلاثة الذين قادوا الدفاع عنها واستشهدوا لقب بطل الاتحاد السوفييتي. كما منحت القلعة بعد الحرب لقب «القلعة البطلة»، ووضع فيها عدد من الأنصاب التذكارية. وتحولت القلعة عام 1971 إلى مجمع تذكاري تقام فيه كل سنة يوم 22 حزيران ويوم 9 أيار فعاليات ومهرجانات خاصة بإحياء ذكرى شهداء الحرب الوطنية العظمى. وظل هذا التقليد السنوي مستمراً حتى الوقت الراهن.