وحدة قياس سورية!
تتعدد اليافطات والتسميات، التي يتمظهر بها المتصارعون على الحلبة السورية، بين الوطني، والديمقراطي، والثوري، والتنويري، والإنساني، وما إلى ذلك من مقولات دأب الخطاب السياسي السوري على اجتراراها على مدى عقود، ويتم استخدامها في سنوات الأزمة كأدوات دعائية إعلامية لتثبيت المواقع، أو لزعزعة مواقع الخصم، والتشكيك به، مستغلاً ما لهذه المفاهيم من تأثير ودور في صناعة الرأي العام، وصياغة الوعي الاجتماعي، وتثبيت الاصطفافات القائمة، ولكن كان ومازال يجري ذلك، غالباً بتكرار ممل، وأداء فاشل، وتناقض بين القول والفعل، وبين الصفة والموصوف.
...كلٌّ يقدم نفسه بالصيغة التي يريد، ويسوّق نفسه على أنه هو المسيح المخلص، والمنقذ، والمفوض للحديث باسم الشعب، ولا أحد غيره.. على مرأى هذا النموذج الوطني يتذرر الوطن تحت وطاة رياح الحرب، والدولة باتت دولة غنيمة، و« الثورة يزنى فيها» أمام ناظري النموذج الثوري المزعوم، وباتت أداة لدفن كل ما يتعلق بالمفهوم الثوري الحقيقي، أما الديمقراطي وداعية حقوق الانسان فيتعامى عن أن أبسط حق للانسان «حق الحياة» بات منتهكاً على مدار الساعة، وإن المزيد من الدم يسفك مع كل تقرير يصدره، أو نداء يوجهه، و«التنويري» لا يرى أن الظلام بات يخيم على ماضينا وحاضرنا، والإ نساني، لا يرى أن دموعه وعواطفه ومواعظه عن المحبة والأخوة، لايسمعها أحداً في ضجيج الحرب، وأن الآذان صماء ..صماء.. صماء!..
كما أنه في العلوم الطبيعية وحدات قياس نوعية وكمية، للمادة والزمن والمسافات، فأنه في علم الاجتماع السياسي أيضاً ثمة معايير، ووحدات قياس، في كل ظرف ملموس، وفي كل مرحلة تاريخية.
وحدة القياس، الحقيقة والواقعية، في اللحظة السورية الراهنة، لوطنية الوطني، وثورية الثوري، وديمقراطية الديمقراطي، وانسانية الانساني، في ظل هذا الخراب المادي والمعنوي، الذي طال الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والتاريخ، والجغرافيا، تكمن في العمل على ايقاف رحى الدم النازف في الجغرافيا السورية، يكمن بالعمل على الحل السياسي الحقيقي، وفي ذلك كما نعتقد تتكثف كل المواقف الصحيحة، وكل القيم الانسانية، بما فيها الاجهاز على آفة الأرهاب الاسود، كضرورة لابد منها، إلى جانب الضرورات الأخرى.