عام 1905.. أو المدرعة بوتمكين

عام 1905.. أو المدرعة بوتمكين

بمناسبة الذكرى الـ 20 لثورة عام 1905 الروسية كلفت الحكومة السوفييتية عام 1925 المخرج سيرغي إيزنشتاين بإخراج فيلم عن هذه الثورة. وكان بعنوان «عام 1905» أو كما يعرفه كثيرون «المدرعة بوتمكين».


احتوى سيناريو الفيلم على عرض كامل لأحداث 1905 لكن المخرج قرر الاستغناء عن كل تلك الأحداث، وتقديم عرض واحد عن انتفاضة المدرعة بوتمكين، الفيلم الصامت والمنفذ بالأبيض والأسود، والذي يعد من أفضل 10 أفلام في تاريخ السينما في القرن العشرين.
كان هدف المخرج جعل المشاهد يقارن بين مجتمع السفينة بوتمكين، وبين المجتمع الكبير للبلاد، منذ بداية الفيلم، فجعل مجتمع المدرعة صورة عن مجتمع روسيا آنذاك.
يبدأ الفيلم بتكرار أحد المشاهد عدة مرات، حيث صور ديدان  تنخر في اللحم، ممثلاً ذلك المجتمع الاستبدادي الذي بدأ النخر ينتشر فيه ليسقطه ويجتثه من أركانه. يرفض البحارة أكل هذا اللحم بينما طبيب السفينة بنظاراته المستديرة يتعامى عن هذه الديدان، ويحاول إقناع البحارة بأن لا ضرر من أكله، من خلال تنظيره عليهم، ويظهر مشهد آخر مائدة الضباط الكبار عامرة بالطعام الجيد!.
هنا، يبدأ تململ البحارة، ثم تمردهم الذي بدأ بخطابات نارية تدعو البحارة لرفض الظلم، لكن التمرد يُقمع سريعاً، ويلقى القبض على بعض البحارة، ويساقون إلى ظهر السفينة للإعدام، وهناك تلقى عليهم قطعة من «قماش المشمع»، وهنا يرفض البحارة إطلاق النار على زملائهم ليعود التمرد من جديد أقوى فأقوى، وبدلاً من ذلك يُلقى الضباط الكبار في البحر ويهرب رجل الدين الذي كان يقرأ التعاويذ عليهم قبل الإعدام الذي لم يحدث.
تمر لحظات هدوء قبيل العاصفة وتتمرد جماهير مدينة أوديسا ويقرر بحارة المدرعة تأييد التمرد، وتظهر راية حمراء فجأة على السارية وتهلل جماهير أوديسا لهذا المشهد الثوري.
يتحرك جنود الجيش على الأرض لقمع انتفاضة أوديسا ويتساقط الناس صرعى على مدرجات المدينة، ويعتبر مشهد مدرجات أوديسا من أعظم مشاهد السينما في القرن العشرين. يسقط طفل بالرصاص، فتحمله أمه وتسير عكس تيار الجماهير الهاربة من الرصاص في رمزية صارخة، حيث تبقى حركة التاريخ صاعدة الى الأمام رغم الموت والدم.
أمام هذا المشهد تبدأ المدرعة ومدافعها بقصف معسكر الجنود الذين أطلقوا النار على الناس وهنا يلجأ سيرغي الى الاستعارات يصور المشاهد تتحرك فيها ثلاثة أسود رخامية بتتابع الأول نائم والثاني يصحو والثالث يزأر زئيراً رهيباً كرمز للجماهير المنتفضة.
انطلق سيرغي إيزنشتاين «1898-1948»، طالب الهندسة الذي ترك الدراسة والتحق بثورة أكتوبر وبعدها تفرغ للعمل في السينما، من علم الجمال الماركسي فكان من مؤسسي مذهب الواقعية الاشتراكية في السينما وقدم افلاماً كثيرة منها: فيلم غولوموف عام 1923 وفيلم الإضراب عام 1924-  اكتوبر 1927 - القديم والجديد 1926-1929 - الكسندر نيفسكي 1938 - ايفان الرهيب 1944 – 1946.
صور فيلمه «تحيا المكسيك» عام 1929 وهو أول فيلم ناطق له بعد أن أرسل الى أمريكا لدراسة السينما الناطقة على حساب الحكومة السوفييتية، وكان الفيلم يتحدث عن الانتفاضة الفلاحية المكسيكية عام 1918.
وكان بارعاً في استخدام صور انعكاسات المرآة بدل الصورة الحقيقية أحياناً بالإضافة إلى خدع سينمائية وفنية أخرى عديدة.
ويعتبر أيضاً «أبو المونتاج» لأنه أعطاه مداه الواسع واستطاع في أفلامه جميعاً وبسلاح السينما الأكثر أهمية من بين الفنون كما قال عنها لينين أن يحقق موضوعه المفضل «الثورة الاجتماعية».