«ضباب النهر» ولكن..

«ضباب النهر» ولكن..

انتشرت في العقود الأخيرة ظاهرة التكاثر السرطاني لأشباه المثقفين في منطقة الشرق، وكان ذلك انعكاساً لتشوه البنى الوطنية والاجتماعية والثقافية في المنطقة. وغطى هؤلاء الأشباه الثقافة الحقيقية بغيومهم، حيث انتشر الابتذال والمال السياسي والفردانية والاسترزاق الثقافي. أمام هذا الانحطاط ربما كانت الثقافة سترثي نفسها لو أنها كانت كائناً حياً.

كُتب في الشعر الكردي، كما في غيره الكثير، وهناك الكثير من الأسماء التي تدعي الشعر والقصيدة، ومنها أيضاً انتشار نوع من الكتابة تكاد تكون أقرب إلى الابتذال والتسطيح وتشويه القصيدة الكردية الحقيقية.
امتاز هذا النوع من أشباه القصيدة بسرعة التفريخ والانتشار، ولا علاقه له بالشعر وهو بعيد كل البعد عن الحالة الشعرية، حيث كان أصحابها يمضون أوقاتاً في البحث عن الكلمات الغريبة في القاموس الكردي وتصفيف هذه الكلمات في شبه قصيدة، لنفاجأ بعد فترة بمجموعاتهم الشعرية تملأ المكتبات والمؤسسات الثقافية.
على النقيض من ذلك كانت تنمو القصيدة الكردية الحقيقية، تحاول شق طريقها وسط السحب القصيدة الكردية الشعبية التي تصنع من الكلمات البسيطة أروع الصور الشعرية وأجمل التشابيه والاستعارات الأدبية.
مؤخراً صدر ديوان للشاعر السوري الشاب جوان شريف باللغة الكردية حمل عنوان: «ضباب النهر يواري النهر» يمكن إدراجه في خانة القصيدة الحقيقية أسلوباً وصوراً شعرية، صنع قصائده من تلك الكلمات البسيطة التي نسج منها مجموعته الشعرية الأولى، ولكن لم يكن ذلك نشاطه الشعري الأول، حيث حازت قصيدة له تحمل العنوان نفسه المركز الأول في مهرجان جكرخوين الشعري في دورته الخامسة عشرة عام  2010.
يقول في مطلع إحدى قصائده: «والدتي تزعم أن الكرد خلقوا من بقايا الصلصال، أُجيبها، وكل تلك النظارات الترابية التي خلّفوها والحجول، الحجول كل تلك الحجول، أما استطاعت أن تبني في الحلم  بين أحراش الخرنوب عشاً من الثلج».
من الصور الريفية الجزراوية وأحياء المدن الشعبية بهدوئها وصخبها ومن كلمات والدته، تكونت القصيدة التي نسجها الشاعر الشاب جوان شريف.