موطني.. موطني
مترنحاً يمشي الوطن خطواته الأخيرة.. مترنحاً ألماً وتعباً فالجميع أوغلوا سهامهم في جسده النظيف، نعم الجميع..
نتجمهر ونحيطه دائرةً من الحيارى.. ما الذي يعيد إلى هذا الجسد الجريح نضارته العالية والرونق الجليل؟ ومن يستطيع ضخه بالدم، وإزالة الكدمات، وإيقاظه من الغيبوبة؟
أتراها القصائد الحماسية؟ لا.. كيف لها ذلك وهي خناجر لا عمل لها سوى الطعن؟
الخُطب العصماء؟ يستحيل..! هي ضرب من العربدة فوق الجثث!
الإستديوهات الإخبارية؟ المحللون السياسيون بالغو الأناقة ملبساً ولغةً وعطراً؟ ياااااه..! الإستديوهات مشانق.. المحللون فصائل إعدام..
هل نتركه للسقوط إلى قعر الأنين، كي يصرخ ويصرخ حتى نهايته، أو حتى يتكرم عابر برصاصة رحمة؟
هناك تميمة إبراهيم طوقان «موطني.. موطني»، عليكم بها، بخّروه بدخانها، اسقوه منقوعَها، رتّلوها حوله..
«موطني.. موطني» النشيد الذي ظنناه مجرد وظيفة مدرسية، ثم راح يرافقنا كملامح الوجوه.. النشيد القدري الذي حافظ على شبابه وعبر كل المراحل كما هو، قوياً جميلاً، بنبل الإرادة الإنسانية، وعمق المعاني الكثيفة، مختصراً فكرة الوطن بأبسط أبسط الكلمات.
«موطني.. موطني» النشيد الصلاة.. النشيد الدستور.. النشيد الحكاية.. النشيد التاريخ.. ولأنه كذلك يصلح لكلّ أوطان ومواطني العالم..
«الجـلالُ والجـمالُ والسَّــنَاءُ والبَهَاءُ
في رُبَــاكْ فــي رُبَاكْ
الحـياةُ والنـجاةُ والهـناءُ والرجـاءُ
فــي هواكْ فــي هواكْ
هــلْ أراكْ؟؟ هــلْ أراكْ؟؟
سـالماً مُـنَـعَّـماً، وغانمَاً مُـكَرَّمَاً
هــلْ أراكْ؟؟ فـي عُلاكْ؟؟
تبـلُـغُ السّـمَـاكْ.. تبـلـغُ السّـمَاك
مَــوطني مَــوطني
مَــوطني مَــوطني».
بمجرد الاستماع إليه، وترديده مسرنمين تحت سحر الكلمة واللحن.. بمجرد ذلك ننتبه كيف نشفى ونقف، بينما يراقبنا الطب مشدوهاً أمام المعجزة..
بمجرد استجلابه تزول الغشاوة عن العيون ونرى الوطن صحيحاً سليماً.. آه، إذاً نحن من كنا نترنح، إذاً نحن المرضى!