الفيلم الشعري.. جسر جديد بين الشاعر والقصيدة
رغم حداثته في أوروبا والعالم، إلا أن الفيلم الشعري الذي يمازج ما بين الصورة المرئية والنص المكتوب، يلقى قبولاً ويحظى بتنافسٍ كبير على إنتاجه ما بين الشعراء، وفي السنوات الأخيرة أصبح هنالك مهرجانات خاصة به، وهو ذلك النوع من الأفلام الذي يندرج تحت إطار ما يسمى بالفيديو آرت، لا يحمل بالعادة قصة وإنما
رؤية، وغالباً ما يقوم الشاعر نفسه بتصوير فيلمه أو الاستعانة بصور تعبر عن فكرته، ويشرف الشاعر كما مخرج الفيلم على فيلمه الشعري ليخرج حاملاً رؤيته الشعرية التي أرادها من القصيدة المرافقة له، ويجري بالعادة عرض هذا النوع من الأفلام خلال القراءات الشعرية التي تشهدها في المهرجانات الشعرية أو الأمسيات، وذلك إلى الخلف من الشاعر حين يقوم بقراءة قصيدته ليقدم للمشاهد المستمع في الوقت نفسه رؤية متكاملة ما بين كلمات القصيدة والصورة، وأحياناً يُعرض الفيلم وعليه صوت الشاعر مع مؤثرات صوتية أخرى، أو بخلفية صوت أو أصوات تقرأ القصيدة من دون أن ترافقها قراءة من الشاعر الذي يكتفي بجلوسه بين الحضور.
مؤخراً، أنتج الشاعر الفلسطيني غيّاث المدهون، المقيم في العاصمة السويدية استوكهولم، فيلمه الشعري الأول بعنوان «المدينة » بالاشتراك مع الشاعرة السويدية ماري سيلكي بيري، حيث ترافقت في الفيلم أصواتٌ لعدد من الأشخاص في شوارع استوكهولم يقرؤون مقاطع من القصيدة المشتركة للشاعرين المدهون وسيلكي بيري التي تحمل عنوان الفيلم نفسه: «المدينة »، مع مشاهد لبنايات كبرى تنهار جراء تدميرها أو نسفها، فيما يُختم الفيلم بصوت صفارة الإنذار من الحرب العالمية الثانية في كلٍ من مدينة برلين ولندن. في حين أن تعرُّف المدهون إلى الفيلم الشعري كان عندما طُلِب منه خلال كتابته نص عن «غزة » لاستخدامه في فيلم شعري بعنوان: «استوكهولم غزة .»
والفيلم الشعري كما يراه غياث هو «طريقة لإيصال القصيدة إلى الناس، ورغم أن هذا النوع من الأفلام الفنية كان موجوداً من قبل إلا أنه كان مقتصراً على المحترفين وصانعي الأفلام، أما اليوم ومع انتشار الكاميرات وأسعارها المتاحة لمتوسطي الدخل وكذلك برامج المونتاج في أغلب الكمبيوترات المحمولة، فقد انفتح المجال واسعاً أمام غير المحترفين سينمائياً من الشعراء للتجريب في هذا النوع من الأفلام الذي يتماهى مع كتابة الشعر». يضيف غياث أيضاً: «نحن ننشر الشعر في المجلات والدوريات الأدبية، ونقرؤه في الأمسيات الشعرية، ونصدره في دواوين ومجموعات شعرية، والآن أصبحت هناك طريقة جديدة لنشر الشعر من خلال الأفلام الشعرية .»
من جانبها ترى الشاعرة السويدية ماري سيلكي بيري أن الفيلم الشعري «فرصة للعمل على إيصال فكرة تتضمنها قصيدة في وقت محدود، أي أن تكون محدداً بوقتٍ معين على العكس من أن تعمل بوقتٍ مفتوح كما لو كنتَ تكتبُ كتاباً ». وتضيف سيلكي بيري: «الفيلم الشعري فرصة لمزج متنوع من عدة طرق للتعبير عبر الصوت، والموسيقا، والنص، والصور المتحركة. وهو أيضاً طريق مهم للخوض أكثر في تقنيات جديدة غير تقليدية، وللبحث في تأثير هذه التقنيات الجديدة على إمكانيات الابتكار والإبداع الذهني، كما أنها طريقة لتطويع التكنولوجيا في خدمة الشعر، فالفيلم الشعري له تأثير مختلف بالنسبة للقارئ أو الجمهور، بعكس النص المكتوب، كما أنه أقدر على عبور الحدود بسهولة أكثر من الكتاب .» وحول إذا ما كان الفيلم الشعري أقدر على إيصال الفكرة للمتلقي من القصيدة نفسها، ترى ماري سيلكي بيري، أن الفيلم الشعري ليس أقدر تماماً على ذلك، إنما لديه الإمكانية لمزج الصوت بالصورة، خاصة أننا اليوم أمام عالم يتحول إلى المرئي أكثر فأكثر، فالفيلم الشعري قد يكون ترجمة بصرية للقصيدة،وبهذا نكون قد وصلنا إلى تقنية أكثر قدرة على إيصال فكرة القصيدة بصرياً.
من ناحيته يتوقع المدهون لهذا النوع من الأفلام «شأنأً في عالم الشعر في المستقبل القريب »، مؤكدا أن هذا التوقع جاء بناء على تجربته مع «مهرجان زيبرا للأفلام الشعرية » الذي يقام في برلين كل عامين، والذي دُعي إليه في العام 2٠١٠ بعد أن تم اختيار فيلمه مع 2٥ فيلماً آخر للاشتراك في المهرجان من بين
أكثر من ٩٠٠ فيلم شعري تقدم بها شعراء من العالم للمشاركة.
وبالمقابل، لا يبدو غياث متفائلاً بحضور تجربة عربية مع هذا النوع من الأفلام قريباً.
وجهة نظر قد تبدو غير بعيدة عما يقوله الشعراء، لكنها للمخرج السينمائي عائد نبعة الذي يقول: «لم توجد السينما لخدمة الشعر أو أي نوع من أنواع الفن وكذلك العكس، فالشعر والسينما جنسان مختلفان تماماً، لكننا نسمعُ البعضَ أحياناً وخصوصاً عند إعجابهم بلقطة ما أو فيلم ما، يقولون: إنه كان كقصيدة من الشعر، ويأتي ذلك هنا كمفردة نقدية تستخدم الشعر كشحنة عاطفية عارمة للتعبير عن الجمال وعن الأسلوب البصري الأخاذ للسينما، فمفردات اللون والصوت والتكوين وعمق المجال والمونتاج في المشهد تترك لدى المشاهد أحياناً الانطباع الذي تتركه القصيدة أو الذي يتركه النص من صور تتطبع في ذهن المستمع والمتفاعل ». ورداً على سؤال حول ما يمكن لهذه الأفلام الشعرية أن تقدمه، يقول نبعة: «هذه الأفلام المرافقة للشعر أو القصيدة هي بمثابة محاولة لخلق حاسة جديدة لدى المتلقي غير متعارف عليها بعد، حاسة غير السمع والبصر أو حاسة جديدة ناتجة عن مزج الحاستين السابقتين، وهذا نوع جديد من أنواع العرض وحتى الأفلام المصنوعة في هذا النوع الجديد من أساليب طرح الشعر للمتلقي لم تُصنع أو تُنجز لتترجم القصيدة ولكن لتضيف للقصيدة مساحات ومدى جديداً »