إدواردو غاليانو: أبناء الأيام.. أبناء الحكايات
ترجمة: صالح علماني ترجمة: صالح علماني

إدواردو غاليانو: أبناء الأيام.. أبناء الحكايات

كتاب إدواردو غاليانو الأخير «أبناء الأيام» رحلة يومية مثيرة من الماضي إلى الحاضر على إمتداد 365 يوما من أيام العام، كل حكاية أو قصة تتضمّن رسائل نافذة، ونقدا لاذعا للمجتمع الحالي الذي نعيشه، هذه الرسائل تسافر عبر الزمن حتى تصل إلى الحاضر.

اختار غاليانو هذا العنوان لكتابه الجديد لأن شعب المايا في غواتيمالا هو الشعب الوحيد الذي يعتبر الزمن فضاء حيث الأيام هي التي تصنع أو تشكّل الأشخاص، ومن هؤلاء تتولد القصص والحكايات، لأن الإنسان هو إبن تاريخه أو حكاياته.

هنا مقاطع من الكتاب.

7 آب: تجسس عليّ

في 1876 ولدت ماتا هاري.

أسِرَّةٌ وثيرة كانت ميادين معاركها في الحرب العالمية الأولى. وقادةٌ عسكريون وسياسيون كبار استسلموا لفتنة أسلحتها، واعترفوا لها بأسرارٍ كانت تبيعها لفرنسا، أو ألمانيا أو من يدفع أكثر.

في 1917، حُكم عليها بالإعدام.

أكثر جاسوسة مشتهاة في العالم أرسلت قُبلات وداع لفصيلة الإعدام رمياً بالرصاص.

ثمانية من الجنود الأحد عشر أخطؤوا في إصابة الهدف.

13 تموز: هدف القرن

في هذا اليوم من عام 2002 أعلنت الهيئة الأعلى لكرة القدم نتيجة استفتاء عالمي أجرته: اختر هدف القرن العشرين.

وقد كسب، بأغلبية ساحقة، هدف دييغو مارادونا في مونديال 1986، حين كان يرقص والكرة ملتصقة بقدمه مخلفاً وراءه ستة لاعبين إنكليز ضائعين على الطريق.

كانت تلك هي الصورة الأخيرة التي رآها مانويل ألبا أوليفاريس من الدنيا.

كان عمره أحد عشر عاماً، وفي تلك اللحظة الساحرة انطفأت عيناه إلى الأبد. لقد حفظ الهدف سليماً في ذاكرته، وهو يصفه أفضل من أفضل المعلقين الرياضيين.

منذ ذلك الحين، ومن أجل أن يرى كرة القدم وأشياء أخرى ليست بأهميتها، يطلب مانويل من أصدقائه أن يعيروه أعينهم.

وبفضلهم، أسس هذا الضرير الكولومبي وترأس نادياً لكرة القدم، فكان ومازال المدير الفني للفريق، يعلق على المباريات في برنامجه الإذاعي، ويغني كي يسلي المستمعين، وفي ساعات فراغه يعمل محامياً.

25 شباط: ليلة «الكونا»

أمرت حكومة بنما، بقانون، أن تُخضع القبائل الهمجية وشبه الهمجية والمتوحشة في البلاد للحياة المتحضرة.

وأعلن الناطق باسمها:

ــ لن يُسمح لهنديات الكونا بعد اليوم بأن يطلين أنوفهن، وإنما سيطلين خدودهن، ولن يضعن أقراطاً في أنوفهن وإنما في آذانهن. ولن يلبسن ملابس «المولا» المزركشة، وإنما ملابس متحضرة.

وصارت محظورة عليهنّ وعليهم ديانتهم وطقوسهم التي تثير غضب الرب، ونزوتهم التقليدية بأن يحكموا أنفسهم على طريقتهم وأسلوبهم.

في العام 1925، في ليلة هذا اليوم الخامس والعشرين من شهر ضب الإغوانا، أعمَّلَ هنودُ الكونا السكين في جميع الشرطيين الذين يمنعونهم من أن يعيشوا حياتهم.

ومنذ ذلك الحين تُواصل نساء الكونا تعليق الأقراط في أنوفهن المطلية، ويواصلن ارتداء مطرزات المولا، هذا الفن البديع في الرسم باستخدام خيط وإبرة بدل رياش التلوين. ومازلن هنَّ، وهم أيضاً، يواصلنّ طقوسهم واجتماعاتهم، في الألفي جزيرة حيث يدافعون، بالحسنى أو الإكراه، عن مملكتهم المشتركة.

26 تشرين الثاني: لورا وبول

عندما قرأ كارل ماركس «الحق في الكسل»، قال:

ــ إذا كانت هذه ماركسية، فأنا لستُ ماركسياً.

لأن مؤلفه بول لافارج يبدو فوضوياً أكثر منه شيوعياً، ويكشف عن ميل مريب إلى الجنون التروبيكالي.

كما أن ذلك الكوبي، ببشرته غير الصافية جداً، لم يَرُقْ له كصهرٍ أيضاً

ــ الحميمية المفرطة ليست واردة ــ هكذا حذره، كتابة، مذ بدأ بول يحقق تقدماً خطيراً في علاقته مع ابنته لورا، وأضاف ماركس بوقار:

ــ من واجبي أن أفرض عقلانيتي في مواجهة طبعك الكريولي.

لكن العقلانية أخفقت.

لورا ماركس وبول لافارج تشاطرا الحياة طوال أكثر من أربعين عاماً.

وفي هذه الليلة من عام 1911، حين لم تعد الحياة حياة، رحلا متعانقين، في سريرهما المعهود، الرحلة الأخيرة.

14 أيار: دَيْنُ الآخر

في هذا اليوم من عام 1948، ولدت دولة إسرائيل.

بعد أيام قليلة من ذلك، طُرد أكثر من ثمانمئة ألف فلسطيني، ودُمر أكثر من خمسمئة قرية.

هذه القرى، حيث كانت تنمو أشجار الزيتون والتين واللوز وغيرها من الأشجار المثمرة، تقبع مدفونة تحت الطرق السريعة، والمراكز التجارية، وحدائق الملاهي. إنها موتى بلا أسماء. فلجنة الأسماء لدى السلطة الجديدة أعادت تعميد الخارطة.

لم يبق إلا قليل من فلسطين. ومن أجل التهام الخريطة المتمادي تستحضر صكوك ملكية، ممنوحة من التوراة بسخاء، وتُبرر بمعاناة الشعب اليهودي طوال ألفي عام من الملاحقة.

ملاحقة اليهود كانت، على الدوام، عادة أوروبية، ولكن الفلسطينيين هم من يدفعون ديون الآخرين.