الانفصال.. الواقع كاملاً
«ذهب فيلم الانفصال» بكل ترهات الأفلام الأمريكية أدراج الرياح إذ لم يقتصر الفيلم على تقديم الحياة الإيرانية كما هي بالواقع وبلا كثير أدلجة، بل ذهب أبعد من ذلك في سرده لتفاصيل الحياة وتفاقمات الأوضاع النفسية والاجتماعية لأبطاله. أجمل ما في الفيلم هو أن الكل فيه أبطال، ليس هناك البطل الواحد بل هناك بطولة جماعية متفردة! فكل شخصية في الفيلم أدت بطولة من نوع ما،
من الطفلة الصغيرة سمية إلى المراهقة تيرميه وإلى الأب والأم والجد المصاب بالزهايمر وحتى الخادمة وعائلتها المؤلفة من الزوج الغضوب وأخته، هم ليسوا أشراراً وليسوا ملائكة بل أناس عاديون، عندهم حسنات بقدر ما يحملون من عيوب، وأكثر من ذلك أضاء الفيلم على بعض تفاصيل المجتمع الإيراني وقوانينه، الفتاة التي يمكنها القانون من اختيار إقامتها مع أبيها أو أمها في حال انفصالهما في سن صغيرة (11) سنة فقط، ونموذج المصالحات الاجتماعية، يحلون بالاتفاق ما يعجز القانون عن حله. المرأة تجالس الرجال بثيابها العادية وهم يجلسون على الأرض، تقدم أخت الزوج الشاي للضيوف مع أن الغرفة مليئة بالرجال الغرباء (الدائنون) وأخوها جالس معهم وليس كما يشاع ويعمم عن هذا المجتمع (الايراني) بأنه مجتمع متخلف في معاملته للمرأة في الحياة الاجتماعية، ولم يتناول القضية بشكلانية ومن حيث المظاهر كما في الأفلام الأمريكية عن الإيرانيين حيث تبالغ هذه الأفلام بإظهار التخلف الاجتماعي لجهتين هما اللباس وعلاقة الرجل بالمرأة، استطاعت الكاميرا أن تلتقط أدق التفاصيل وأظهرت الشخصيات واقعية لدرجة تخال فيها نفسك جزءاً من الحدث وأن هؤلاء الناس هم فعلا هكذا منذ زمن طويل، فهو ليس سيناريو بقدر ما هو الواقع بكل وقاحته وفجاجته وأيضاً بكل جماله وشاعريته، في النهاية تجد نفسك كمشاهد متورط مع هؤلاء الناس في تعاطفك معهم ولا تستطيع أن تدين أحدا منهم، فكلهم ضحايا أمر لا يعرفونه ولكنهم يحسون به ويشعرون، بلا مباشرة بل تظهر خيوطه من خلال تأكيد زوج الخادمة على أنهم بشر دائماً ويظهر التحدي من خلال جرعة الغضب التي امتلكها هذا الرجل وإصراره على أنه لم يعد لديه ما يخسره، أما السبب الذي أوصل هؤلاء الناس إلى هنا فهو حالة الفقر والبطالة التي تعيشها أسرته والتي ترغم زوجته للعمل والاعتناء برجل.. بمعنى مخالفة العرف الاجتماعي، وهو -الزوج- إذ يعي حقيقة الأمر يتغاضى عنه، وهو مهتم بإثبات حقه أمام القانون ليس فقط من أجل المال بل محاولة منه لإثبات وجوده، ووجود طبقته، أيضاً، وأمام القانون أي أمام الدولة والسلطة التي يفترض أن ترعاه وتحميه كمواطن، هناك كلام كثير يمكن استنتاجه من الفيلم ولكن الأفضل متابعته واكتشاف ذلك