«حداد» جدلية الرقص والموت
من خلال لوحات راقصة، اسْتُمدت من حالة النواح، ومن منظوره للموت كحالة غياب مطلقة نهائية جسدّ الراقص العراقي مهند رشيد الموت تعبيرياً في عرضه المسمّى «حداد»، على خشبة الصالة متعدد الاستخدامات في دار الأوبرا. انطلق العرض من الحالة المباشرة لصورة الموت، وذلك عبر جثة هامدة لربّ عائلة ممددة على الخشبة، مع خلفية صوتية قرآنية لعبد الباسط عبد الصمد، وامرأة تنتحب بجسدها وتناجي هذا الجسد الميت.. ثم تصبح حالة الانتحاب عامة عندما ينتشر خبر الموت فتكثر النساء الملتفات بالأسود حول الجثة.
ثم تبدأ الحالة الدرامية بالتصاعد والتعمّق ليأخذ الموت بعداً فكرياً أبعد وأوسع من الجنازة، لا سيما حين يقوم الميت وحيداً ويبكي على نفسه من فجيعة الغياب، معبراً عن ذلك الأسى العظيم بحركات لا ترمي العودة إلى الحياة، أو التخلص من أزمة القبر، بقدر ما تريد أن تقول إن الموت هو النهاية المطلقة.
تتكرر خلال العرض أصوات بكائية عراقية، تردد كلمات حزينة لا يظهر منها إلا «يمة» و«بغداد»، وكأن هذه الجنازة، وهذا الموت، طقس عراقي متكرر على الدوام.. وهو ما يعيدنا إلى متلازمة الحزن والعراق الأبديتين، لكنها تبدو فادحة هنا لأنها تأخذ شكلاً لم نعاينه من قبل: الرقص..
يقدم رشيد رؤيته على مستويات عدة فيبدأ من حادثة موت عادي فيه جثة ونساء تنتحب، لينتقل إلى تعميم حالة الموت، وتغيير وضعياته وأحداثه وفق حركة الميت، وصولاً إلى الرسالة الأعم في العرض وهي العلاقة الأبدية بين الإنسان والموت.