الشّمعُ والتّشميعُ والشّمّاعَة..!
هناك مفردات، تستخدم لغوياً، وتتحول دلالاتها اللغوية من معانيها العملية المادية الحقيقية، إلى دلالاتٍ اجتماعية وسياسية في ظروف خاصة ..
واللغة كالكائن الحي تنمو وتتسع مع تطور الحياة وتعقدها.. وهذا التحول في الدلالات يأخذ صوراً بيانية متنوعة كالتشبيه والاستعارة والمجاز لتضفي على هذه الدلالات الجديدة بلاغةً ومبالغةً في التعبير..ايجابيةً أحياناً وسلبيةً غالباً..
الشمع بألوانه وأشكاله المتعددة، هو أداة ووسيلة للإنارة، قلّ استعماله بعد اكتشاف الكهرباء وانتشارها.. وتحول إلى استخدام قليل وارتبط بالزينة والأجواء الرومانسية أحياناً.. وزيادة شحنات العاطفة في المنازل بين الأحبة في سهراتٍ ومناسبات للقلوب المتعبة والتي أنهكها الزمن لتضفي عليها مسحاتٍ من السعادة ونسيان هموم الحياة اليومية ولو للحظاتٍ..
لكن في ظلّ الأزمة الحالية والانقطاع المستمر للكهرباء، عادت للشمع قيمته وغلا ثمنه..وصار الفقراء يستخدمونه أكثر من الأغنياء، مع فارق أن الشحنات العاطفية تحولت إلى مشاحنات عنيفة..
نقول فلانٌ شمّع الخيط.. أي هرب.. والذين يهربون كثر في الأزمات، وهم يفعلون ذلك إمّا جُبناً وخوفاً أوعجزاً أمام القمع والعنف!
والشّمّاعة تحولت من أداة لتعليق الثياب الرسمية أو ثياب العمل للخلاص من القيود والشوائب وارتداء ثياب الراحة إلى حجةٍ يبحث عنها الكثيرون لتبرير أخطائهم أو مواقفهم سواء كانوا أفراداً أو جماعاتٍ أو حكوماتٍ..
فقوى الفساد في البلاد تعلق أسباب الأزمة على شماعة المؤامرة الخارجية والإرهاب!! .. والقوى التي تدّعي أنها معارضة، تعلق الأزمة وتفاقمها على شمّاعة النظام وأدواته لتبرر مواقفها وتآمرها وارتباطاتها مع الامبرياليين والرجعيين والقوى الظلامية...!
والسياسيون المترهلون والغارقون في نعيم المكاسب والذين صاروا هياكل شمعية تذوب مع أي حرارة تنتج عن الأزمة، يعلقون عزلتهم عن الجماهير على شمّاعة أعضاء أحزابهم .. والأعضاء لا حول لهم ولا قوّة فهم بين معاناة الجماهير ومعاناتهم وبين هيمنة قادتهم المدعومين من السلطة فيضطرون لإخفاء آرائهم ومواقفهم حتى لا يُتهموا بأنهم متطرفون وربما خونة..!
والمدير ليخفي نهبه وفساده يعلق فشل دائرته ومؤسسته ومعمله على العمال.. والعمال يعرفون ذلك لكنهم يكتمون معاناتهم ويكظمون غضبهم خوفاً من القمع لعل وعسى..
والزوج يعلق معاناته على شمّاعة زوجته وأطفاله.. والزوجة تبحث عن شمّاعة لتعلق عليها همومها.. فلا تجد غير القهر.. وهكذا..
قلّ الشمع وكثُر الظلام والظّلام وكثُر التشميع والمشمعين للخيط وكثرت الشماعات.. لكن في النهاية سيرحلون وستبقى منارة الشعب والوطن هي الباقية..