مرة أخرى.. المتطرفون يحرقون الكتب
لم تكن عملية إحراق الكتب والمكتبات جديدة على التاريخ الاسلامي، فقد جرى على مر هذا التاريخ عمليات كبيرة لحرق مكتبات مركزية فيها ملايين الكتب.
وكان الحكام والفقهاء المتشددون من المسلمين هم أصحاب «الفضل الكبير» في إحراق وإتلاف تلك الكتب، وتعرض الكِتاب الى محنة كبيرة من خلال حرقه وتدمير مراكز وجوده، وملاحقة مؤلفيه ومضايقتهم والتنكيل بهم وقتلهم. وقد تعددت وسائل التخلص من الكتب من خلال حرقها أو دفنها أو رميها، وكانت الأسباب الحقيقية وراء ذلك هي الخوف من اقتناء الكتب في بعض العصور باعتبارها محرمة وممنوعة وخاصة كتب الفلسفة وعلم الكلام والكتب العلمية التي يلاحق أو يسجن أو يقتل من كان يقتنيها.
وفي عالمنا اليوم قامت المجموعات الجهادية المتطرفة في شمال مالي، وتحديداً في مدينة تمبكتو بإحراق بعض الكتب والوثائق في مكتبة العالم المتصوف أحمد بابا التنبكتي، آلاف الكتب تم القضاء عليها قبل أن تلوذ تلك المجموعات بالفرار من جراء القدوم الفرنسي، دون أن تطلق رصاصة على الفرنسيين بينما قامت بإطلاق نيرانها على تاريخ شعب ومنطقة بأكملها، وكعادة هذه الجماعات الوهابية فإن العلم هو خصمها الأول والسد الذي حال بينها وتحقيق مشروعها، إن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ، وهذه ليست المرة الأولى في تاريخنا المعاصر التي تقوم هذه الجماعات المتطرفة بتدمير التراث الإنساني، فقد فعلتها طالبان في سنة 2001 بتفجيرها لتمثالين عملاقين لبوذا يعودان الى القرن السابع ميلادي وأماكن تاريخية فيها أبنية عمرها 3 آلاف عام، ومنها أيضاً تدمير أضرحة المتصوفة في ليبيا وتونس، ومنها دعوة السلفيين الى تدمير تمثال أبو الهول في مصر.
وبالعودة للتاريخ، فحدث ولا حرج، فقد شهد التاريخ الإسلامي خاصة منذ عام 82 هـ حتى عام 913 هـ عمليات حرق هائل للمكتبات والتخلص من مؤلفيها، واستخدمت حجج الاتهام بالزندقة والإلحاد لتبرير قتل المناهضين للخليفة أو المخالفين لفقهاء السلطة آنذاك، وتم تدمير المكتبات الرئيسية التي تأسست في العصور العباسية والفاطمية والأندلسية بشكل مفجع أدى إلى ضياع الملايين من الكتب، فلم يكن مصير «دار العلم» بالقاهرة أفضل من مصير «بيت الحكمة» في بغداد، والتي كانت تعد أضخم مكتبة عرفها التاريخ الإسلامي، وقد ذكرت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب» مقتنيات المكتبة بقولها: «وفي القاهرة رتب مئات العمال والفنيين في مكتبتي الخليفة مليونين ومئتي ألف من المجلدات». وقدّر شوشتري مقتنيات المكتبة في كتابه «مختصر الثقافة الإسلامية» بثلاثة ملايين مجلد..!! وقد قضي على هذه المكتبة وضاعت كتبها في العهد الأيوبي حيث تذكر ذلك العديد من المصادر ومن بينها ما ذكره القلقشندي وأكده المقريزي بقوله: «في عهد الأيوبيين قضي على خزائن مكتبات الفاطميين وتشتت ما تبقى من كتبها بيعاً على تجار الكتب وعطاء لبعض العلماء والقضاة وتولى تجار الكتب والدلالون مهمة البيع تحت أمرة قراقوش» ومن بين المكتبات الخاصة التي تم حرقها على أيدي بعض الحكام العرب المسلمين آنذاك ثلاث مكتبات احتوت كل منها على أكثر من عشرة آلاف كتاب هي: مكتبة ابن حزم الأندلسي، ومكتبة سابور، ومكتبة عبد السلام بن عبد القادر البغدادي المدعو بالركن. ويذكر ابن خلدون أن السلطان محمود الغزنوي لما فتح الري نفى المعتزلة وأحرق كتب الفلاسفة والاعتزال..
إن ثقافة الإقصاء والاسئصال ليست بالجديدة، وإن من يقوم بحرق الكتب، يتلاقى مشروعه مع من يدعي عداءه للسبب نفسه.. (انظر كتاب «حرق الكتب في التراث العربي» للكاتب ناصر الحزيمي).
المصدر: صحيفة «الوسط» البحرينية