الرأس الأجنبي

ثمة حالة طبية نادرة اكتُشفت مؤخراً، تُعرف باسم «عارض الطرف الأجنبي» يعاني منها بعض الأشخاص في العالم، وتتلخص أهم أعراضها بأن يرفع المريض يده في الهواء فجأة، وينهال بها على وجهه صفعاً أو لكماً بشكل خارج عن إرادته!! أما العارض الثاني للمرض فأشد غرابة، إذ تتحرك الرجْل على هواها فتتجه يميناً على سبيل المثال بينما صاحبها يأمرها بالاتجاه يساراً، وكأن لها عقلاً خاصاً بها يوجهها بشكل منفرد.

الأمر اللافت هنا، والذي يجعل البعض منا ميالاً للتهكم على هذا المرض هو وجه التشابه بينه وبين ما يصيب الأنظمة العربية الآن من هلع نتيجة تحرك شعوبها بغير إرادتها، وكأن هذه الأنظمة قد أصيبت بهذا المرض وبدأت أطرافها بالحراك دون إرادة منها وهي الرؤوس الرئيسة والدرر النفيسة...

وفي التحليل الطبي لهذه الحالة فقد تنشأ على أعقاب عملية جراحية لعلاج داء ما في الدماغ. وفي هذا النوع من العمليات يزيل الجرّاح جزءاً صغيراً من الدماغ المصاب. وهنا يمكن للمقاربة أن تتم بوضوح أكبر، فلعل الأنظمة العربية المريضة بعقولها بعد أن استسلمت كلياً لإرادة ووصفات وعلاجات الصناديق الدولية والمباضع الأمريكية والإسرائيلية، فقدت كل إمكانية السيطرة على من كانت تتحكم بهم وبمصائرهم..

ويشرح الأطباء هذه الحالة بالقول إنها حالة «صراع قوتين» داخل الرأس. ففي الدماغ السليم، يضمن «الرباط الثفني» تنسيق الاتصال بين فصيصه الأيمن المسؤول عن الوعي بالمكان والأشكال ويسيطر على حركة اليد والرجل اليسريين، والنصف الأيسر الذي يفعل العكس ويتولى التفكير عموماً والمهمات اللغوية والاستخلاص. ولهذا يعتبر الفصيص الأيسر «الأقوى» وصاحب الكلمة الأخيرة في ما نفعل، وإن كان بالتنسيق مع الفصيص الأيمن. وما يحدث بعد استئصال ذلك الرباط هو أن هذا الترتيب يختل تماماً فيصبح صاحبه كمَن له عقلان.

هنا تتبلور الرؤية، ولكن الاختلاف الأبرز، يكمن في أن الخلل في حالة الأنظمة العربية قد عطب كامل الدماغ مما جعل حتى التنسيق صعب الحدوث، الأمر الذي اضطر هذه الأطراف لاتخاذ موقف جذري من الرأس ومحاولة إيجاد الرأس المناسب لهذه الأطراف كي تتم العملية الحركية بشكل صحي تعطي كل ذي حق من الأطراف حقه من الغذاء والحركة..

وبعد محاولات شخصية حثيثة لإيجاد اسم طبي لهذه الحالة (العربية) بعيداً عن المصطلح الطبي «الطرف الأجنبي» الذي قد يشعر المواطن بالاشمئزاز والتقزز.. قادني التفكير لأن أقترح اسماً أكثر دقة لهذا المرض وهو «الرأس الأجنبي» عسى يلقى استحسانكم، سائلاً الله أن تصيب عدوى هذا المرض كل الشعوب المقهورة.