في ليبيا يسقطون الفوضى لا النظام
زكريا محمد زكريا محمد

في ليبيا يسقطون الفوضى لا النظام

أريد أن أغامر بالقول إن العقيد القذافي سيكون ثالثهم. سوف (يطير) كما طار بن علي ومبارك قبله.

سيطير.

لكن وجود شجرة يحط عليها مرتبط بتصرفه خلال الساعات والأيام القادمة. فإذا أسال الدم في الشوارع أنهاراً، وهذا ممكن تبعاً لتاريخه، فسوف لن يجد مثل هذه الشجرة. وهو لن يجدها حتى في جدة في السعودية. فهناك لن يرحبوا به لأنه ليس صديقهم، ولأن الناس في الجزيرة العربية لن تتحمل غرباناً جديدة تحط على أشجارها. 

نحن نتحدث هنا عن العقيد لا عن النظام كما هو الحال في تونس ومصر. إذ ليس في ليبيا نظام. في ليبيا فوضى فقط. ليس هناك دولة ولا حكومة ولا قانون، ولا أي شيء. يوجد فقط العقيد وأبناؤه. وهو منذ أربعين سنة لا يمنح الوقت لليبيا لكي تستقر، ولكي تهدأ وتنظم نفسها. وسيلته للحفاظ على نفسه كانت بتدمير احتمال قيام أي نظام، إلا إذا اعتبرنا اللجان الشعبية نظاماً. وهي مجموعة عصابات فوضوية لا غير.

ليبيا لا تريد أن تسقط نظاماً، بل تريد أن تسقط الفوضى. والعقيد القذافي هو رأس هذه الفوضى. كان في تونس نظام قمعي وقد أسقطه التوانسة. وكان في مصر نظام أشد هولاً، وقد أسقطه المصريون. أما في ليبيا فالناس يعيشون في ما قبل النظام، في فترة من العماء والجنون. يعيشون في فترة ما قبل التكوين، أي قبل أن تجمد الأرض لكي يحط الإنسان قدمه عليها ويمشي.

من أجل هذا، أظن أن الناس كلها تريد أن تزيح هذه الفوضى. هناك إجماع على هذا. إجماع على الخروج من الجنون، من عتمة الفوضى إلى نور الاستقرار. وهم لهذا سيخرجون غداً وبعد غد. بل إنهم لم يستطيعوا الانتظار حتى الخميس، فخرجوا في بنغازي ليلاً.  

أذكر أنني أمسكت في السبعينيات من القرن الماضي صحيفة «الزحف الأخضر» الليبية، فكان المانشيت هكذا: «لن نرحم حتى أطفالهم»! أي والله كان هذا هو مانشيت الصحيفة الذي كان يتحدث عن بعض المعارضة. 

آمل من العقيد أن يرحم نفسه هذه المرة، أن يرحم أطفال شعبه، وأن يرحمنا أيضاً.