بين قوسين: ضريبة أحلام يقظة
في المحيط الذي أعيش فيه، لم ألتقٍ إلى اليوم، من ربح جائزة في اليانصيب الوطني، وفي الوقت نفسه، كلنا نحلم بقطف ثمار هذه الجائزة. شخصياً، لم أربح أكثر من ثمن البطاقة، لكنني في الواقع، أعيش أحلاماً وردية طوال الأسبوع، بملايين الليرات، وهذه أرخص سلعة وطنية متاحة: أن تدفع مئة ليرة مقابل نصف بطاقة، وتحلم بترميم أوضاعك دفعة واحدة. تسدد ديونك، وتسافر، وتجدد أثاث المنزل، وتقتحم أماكن لم تزرها من قبل. تضع الكآبة في الثلاجة، وتحلّق بجناحين إلى أعلى القمم. في بعض الأحيان، أقصد عندما تتجاوز الجائزة الكبرى عشرات الملايين، أوزّع غنائم على الأصدقاء، كنوع من المفاجآت غير المتوقعة. أنظر إلى حشود البشر في الشوارع، وأتوقع أن لكلٍ من هؤلاء أحلامه المؤجلة في اصطياد جائزة في اليانصيب، لسبب مؤكد هو أن معظم هؤلاء فقد الأمل بأن تتحسن أوضاعه المالية، حتى لو كان يعمل ثلاث ورديات في اليوم، ذلك أن الفواتير تهطل عليه بالجملة، ما جعلته يمشي
محدودباً. منذ زمن طويل ،لم ألتقٍ صديقاً «منتصب القامة يمشي».
أكتب هذا الهذر صباح الأربعاء، بعد أن واجهتني عبارة «حظاً أوفر في السحب القادم» على موقع يانصيب دمشق الدولي، لأبدأ دورة جديدة من دورات أحلام اليقظة، وبناء قلاع من الرمل، وكأن الخيبات المتلاحقة، لم تترك أثراً في مسار أحلامي. حين أنظر إلى النشرة، وأتمعّن بصور الرابحين، أشك بوجود مثل هؤلاء، ولكن النشرة تورد أسماءهم الثلاثية ومهنهم، وابتساماتهم، مثلما تفعل الفضائيات خلال برامج المسابقات، حين تسلّم مذيعة حسناء أحدهم، مفاتيح سيارة حديثة، ربحها لمجرد أنه أجرى اتصالاً بالمحطة. ماذا لو سحبوا منه الجائزة بعد انتهاء التصوير؟ أو إنهم رتبوا الأمر في الكواليس، لتوريط آخرين بالاتصال؟
كانت إحداهن تحلم بأن تفوز ببراد، وآخر بشقة سكنية، أقول «تحلم» و«يحلم» رغم أن البراد أو الشقة السكنية متطلبات ضرورية للعيش، لكنها باتت في خانة الحلم المؤجل.
في هذا الباب، أود أن أشكر كل الجهات المعنيّة، بأنها لم تصدر- إلى هذه اللحظة- فرماناً يقضي بدفع ضريبة جديدة، اسمها ضريبة أحلام يقظة لتطوير خزينة الدولة!