إدواردو غاليانو يكتب: تأسيس بلدين
صناعة الأردن
يقال إن تشرشل قال:
ــ الأردن كان فكرة خطرت لي في الربيع، في حوالي الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر.
ترجمة: صالح علماني
الواقع أنه في شهر آذار 1921، وخلال ثلاثة أيام، قام وزير المستعمرات البريطاني ومعاونوه الأربعون باختراع خريطة جديدة للشرق الأوسط، خلقوا بلدين، عمدوهما، واختاروا ملكيهما ورسموا حدودهما بخط إصبع على الرمل. وأطلقت تسمية عراق على الأراضي التي يحتضنها نهرا دجلة والفرات، طين الكتب الأولى؛ وتسمية أردن على البلد الجديد المقتطع من فلسطين.
كان أمراً مستعجلاً أن تتبدل أسماء المستعمرات وتكون، أو تبدو، ممالك عربية. وكان مستعجلاً أيضاً تقسيم تلك المستعمرات، تمزيقها: الذاكرة الإمبراطورية علمته ذلك.
وبينما كانت فرنسا تخترع لبنان، سلّم تشرشل إلى فيصل، الأمير التائه، تاج العراق. وصادق على ذلك استفتاء، بحماسة مشكوك فيها، وبموافقة ست وتسعين بالمئة. أما أخوه الأمير عبد الله فكان ملك الأردن. الملكان كلاهما ينتميان إلى أسرة ضُمت إلى الميزانية البريطانية بتوصية من لورنس العرب.
صناع البلدين وقعوا على شهادة ميلاد العراق والأردن في فندق سميراميس في القاهرة وذهبوا للقيام بنزهة بين الأهرامات.
سقط تشرشل عن الجمل وتأذت يده.
لحسن الحظ أن الجرح كان بسيطاً: الفنان الذي يقدره تشرشل أكثر من سواه تمكن من مواصلة رسم مناظر طبيعية.
الملك الجاحد
في العام 1932 أنهى ابن سعود حربه الطويلة للاستيلاء على مكة والمدينة، وأعلن نفسه ملكاً وسلطاناً على هاتين المدينتين المقدستين وكل الصحراء المحيطة بهما.
وفي فعل تواضع، عمّد ابن سعود مملكته باسم أسرته: العربية السعودية. وفي فعل فقدان ذاكرة، سلّم البترول لشركة ستاندر أويل، ناسياً بذلك أنه هو وأسرته كانوا يأكلون منذ عام 1917 حتى 1924 من يد الإمبراطورية البريطانية، مثلما هو مثبت في الحسابات الرسمية.
تحولت العربية السعودية إلى نموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط. وقد احتاج أمراؤها الخمسة آلاف إلى ثلاثة وسبعين عاماً من أجل تنظيم أول انتخابات. وفي انتخابات الموظفين البلديين تلك، لم تشارك الأحزاب السياسية، لأنها محظورة. ولم تشارك النساء كذلك، لأنهن محظورات أيضاً.