شعرية العويل العاطفي الطويل
(1) ما من كاتب أو روائي .. مؤرخ أو سيناريست.. رسام أو نحًات أو شاعر أو ساحر يتوفًر علي وعي أولمبي للعالم وفق عبارة العظيم أنطونيو جرامشى... تماما كما الأمْر بالنسبًة لأي ذات قارئة مهما ادًعت النظر المُتًسَامي البريء للأشياء... والأهواء ولمُدَونَات الوُجُود الدًامي.
ومها تسامت نظرتها إلي الوجود.. إلى الحياة تظل هذى الذوات الكاتبة كما الذوات القارئة مسكونة بمتواليات من الهشاشات.. تُرْجُمَانُها الوعي بعَرضيَة الحياة ذاتها إلي حَد العبثية المطلقة في غياب إقامة جمالية حقا وحقيقة.. تجْعَلُ من كتاب الحياة أثرا جماليا فعليا.. وليس مَكْتُوبًا عقَابيًا وفقا للتصَور السَوْدَاوي المَالينْخُوُلي...
مناسبة هذا الكلام إنما هي اطلاًعي ...ثم تصفُحي ...ثم التمرُس بقراءة هذا المكتوب/ المخطوط الذي اجترحته أنامل الفتى الشعري العربي الليبي الشاب : محمد القذافي مسعود أبوصلاح والمَوْسُوم بعُنْوان على جانب من الفاوستية الشيطانية والذى هو: «لمختلفين في نعناع النظرة».
(2)
أغفو وأصْحُو بين شقيقين: وجودي الليلي وغيبوبتي النهارية.. ذاتٌ من ضمْن الذوات المُشتَتة. شتًاتُ عًاطفي في جغرافيا الرُوح الجَريح... وجغرافيا المكان. شَتَاتٌ عَاطفي واضحٌ وفاضحٌ تَشي بحُضُوره الآسر شَهْوةُ البُكَاء في الصَحارى الوجدانية والعَويل العَاطفي الطويل فتتحصَنُ الذاتُ الشاعرة ُ.. ذات الشاعر الشاب محمد القذافي مسعود بسلاح السُخْريَة.. ولا شيء غير شعرية المُقاومة واللًعب بالكبريت الأحْمَر اللُغوي الساخر.. الساحر حين تجوس في الحلق غُصَة كما التي تَعْتَصرُني الآن رغم جُوعي للفرح الطفولي كما جوع السيد الشاعر الفًتى الذي لم يَعْرف من الحيَاة غَيْر مُسوًدة حَيَاة.. يقول الفتى الشعري حين لحظة وصول إلى مفترق الوَدَاع الأَخير من ديوانه:
« أْرْخَت المَدينَة ُنَهْديْهاَ
نَبَحَتْ الكلاَبُ
رَفَعَتْ مُؤَخَرتَها
دَليلَ وُصُول ...»
فأية بَوْصَلة يعتمد الشاعر... السيد الشاعر الشاب..؟ الحدس؟ غريزة الحيوان الشعرية؟ عصا الراعي؟
(3)
ما الذي يَشُدُني في هذا الديوان ؟ يَشُدُني ضمن ما يشدُني.. نَبْرته الهَادئة رغْم حُزنه العَاري ومُخاَطَبته مَكْبُوتاتنا النَشيطة بلغة جارحة ببساطتها الآسرة:
«برتابة أكثر .. بفرح أقَل
نرتمي على وساد التًكَسُر
نجري خلف أفعال
شقراء أو سمراء
نغازلها بشتائم تليق بها
ولا نُحْظَى بقُبْلَة من خيْبَة»
هكَذا وَرَدَ الأمْر في نص:
«أكثر.. أقل» إن مُجرًد تأمُل بَسيط لتَصْريف الخطًاب في هذا المكتوب الشعري يُنَبْهُنَا إلى مَهَارَة الشاعر مُحمد القذافي مسْعود حينَ يَرْغَبُ الشاعرُ اللًعب بجُرْحه كأنما هو يكتب عن آخر يسكنه.. يتقاسم معه حلمه ولحمه وشايه اليومي.. قشعريرته.. وارتجافاته.. موالاته اللَيْلية وصمت حكمته حين استبداد الأوجاع به.. تقوم الأفْعَال لديه مَقاَم الصفات في أكثر من نص وتَقُوم ُالأوضاع القلقة بمفاعيل العزلة والإحساس باليتم العاطفي مقام الأسماء فيَحيدُ الخطاَبُ عن الاستعمال الأدَوَاتي النًفْعي للغة يفتحُ القَوْل الشًعْري مجراه إلي فضاءات أكثر قابلية لتَهجي حقيقة المَحْسُوس به ... المُتَمرد والمُوُجع.. وحتى الرًاقص ألمًا على طريقة المُتصَوفة وأصْحَابُ المَوَاجيد:
«فكل غَيْمَة وانْ احْتَضَرَتْ
لًنْ تَهْطل كَسوَاقي ألَمي»
ذلك مَا دَوًنَت ْأنَامل الشَاعر الشًاب في فَيْرُوزيَاته المَاطرةْ
أوْ كَمَا يَكْتُب عند بالوناته:
«ألْهو ببَالُونَات العيد
ببالونات السَاسَة
أتْرُك لضدي أن يَتَضَخَم
لئلا يَنْفَجر بَالُوني
ألْهُو ببَالُونات الأنثى َ فيً».
يبدو أن الشاعر قد تخطًى ما يمكن لي تسميته مرتبة الإحساس العفوي بالألم.. لم يعد ذلك الكائن الحبري الذي «يَطْلُبُ خٌبْزًا فيوافُونَه ُبالحَجَر»، وفق عبارة حاذقة لسمْوَال ويسْلايْ.. إنه يرصد بشعْرية ناعمَة تجْرحُ.. مقاومة للأنْذال ومُمَانعة للأشْرَس لما يتعرًضُ له آخرُهُ من ألم مقيم.. إنه يَكْتُب عنْ ذلك العَبْرَان البَاكي بفٌتُوة..والذي يسكنه ..كما يسكُنني تماما.
(4)
فلْيوغًل السيًد الشَاعر الشًاب مًحمَد القذافي مسْعود في فَلوات حبره ينْشد مُتعلقًا عًزيزًا على قلْبه وقَلمه:
الحُب
العَدْل
الحُرية
مُعلًقة الشُعراء المَجْروحينَ الأبَديَة...
وليلهو السيد الشاعر الشاب بالتأريخ الباذخ سخرية من الطغاة... كل الطغاة.. وليدون بمداده الحر أخطاء طفولة:
«موغل في طفولة أخطائي
لا أميز دودة الأرض
من خلدها..
قلت للشجرة: حبيبتي..
فانحنت للريح».