بالزاوية : قوس قزح

بالزاوية : قوس قزح

أراد التاريخ بكل تعرجاته ومفارقاته أن تكون الأرض السورية موطناً لثقافات متعددة من خلال تنوع الانتماءات واللغات والعادات والتقاليد المتجذرة في ثنايا الزمان والمكان والتي أخذت شكلاً دينياً أو إثنياً ومحتوىً إنسانياً لتشكل معاً فيما بعد جانباً من جوانب بنية الهوية الوطنية السورية..

لا يخلو المشهد من صفحات سوداء غالباً ما كانت مفتعلة، فلأكثر من مرة حاول من حاول أن يعبث بهذا النسيج الواحد ليجعل من هذا الغنى الروحي مدخلاً إلى التناذر، والدخول في التيه من خلال توظيفه سياسياً لمصلحة النخب التي تدعي تمثيل هذه الجهة أو تلك..ولكن النزوع الإنساني كان دائماً يحسم الموقف ويلجم مثل هذه المحاولات..
إذا كان تماسك هذا النسيج يمتد إلى قرون من التجاور والعيش المشترك ووحدة المصيرفإنه و بعد تبلور شكل الدولة السورية الحديثة أخذ منحى الاندماج والوحدة وتشكل نسق الثقافة الوطنية السورية، ورغم كل ما مارسته السلطات المتعاقبة منذ الاستقلال من تمييزو إقصاء وتهميش تكونت ملامح هذه الثقافة الجامعة وصولاً إلى تبلور الهوية الوطنية السورية.
ومع تفشي الفساد وقوننته من خلال اللبرلة أدى الأمر إلى تهتك النسيج الإجتماعي السوري برمته في العقود الأخيرة بعد أن أنتج ما أنتج من اغتراب و تهميش قطاعات شعبية واسعة، وبات المجال مفتوحاً للعب من جديد على حلبة التنوع خصوصاً أن ذلك تقاطع مع السعي المحموم لإعلام البترودولار إلى تعميم وفرض «ثقافة» الإنتماءات الضيقة، من خلال التباكي على «المكونات».
كان وما زال ما يوحد السوريين أكثرمما يفرقهم، فـالـ « قوس قزح» السوري يفقد قيمته في غياب أو تغييب أي لون من ألوانه، وضرورة الاعتراف بالخصوصية الثقافية لهذه الاثنية أو تلك لا يلغي كونها جزءاً من النسيج الوطني السوري، بل ستجعلها عاملاً في استكمال عناصر الهوية الوطنية السورية وتعميقها وتجذيرها، كما أن اعتبار هذه الثقافات جزءاً من الثقافة الوطنية السورية لايلغي خصوصيتها بل يزيد غناها من خلال استمرار تفاعلها مع الثقافات الوطنية الأخرى.
إن ظروف الأزمة الراهنة تفرض الإقرار بالخصوصية، بالتوازي مع الإقرار بأن هذا التنوع الثقافي لا يلغي حقيقة وجود ثقافة وطنية سورية واحدة.