بالزاوية : أريد أبي حياً!؟
هل يمكن أن تقول الشيء وعكسه في الوقت ذاته؟ في التراجيديا السورية ثمة من يحاول، ثمة من يدير بكلامه رحى طاحونة الدم، وتراه على المنابر يبكي على هذا الدم..
تراه يحتج، يصرخ، يولول.. يقرأ الفاتحة على «روح جنيف» قبل أن يبدأ يأتي له بـ «الكفن والشاهدة»..، يرفض أية هدنة في برزة أو المعضمية أو، يكفر بفك الحصار عن حمص القديمة.. يرى فيها «خيانة لدماء الجيش» يفقد ثقته بالناس لأنها لاتثور على ذلك، وينتهي المقام به أن يعتزل العمل السياسي بإغلاق صفحته الفيسبوكية، شكراً جنيف.. واللهم لاشماتة؟!!
وآخر يبدأ إطلالته الإعلامية بمناحةٍ تُبكي حتى الحجر على الشهداء والمعتقلين والمخطوفين والمهجرين.. «الشعب السوري» في حالة حرب وهو الناطق الرسمي والحصري باسمه طبعاً، ولأنه «مخلص» ولم يخن الشعب كغيره، فله الحق بأن يقول ما يريد، طالما أنه يدافع عن دمنا المهدور فيجب أن نقرّ معه أن «الملك عبدالله» داعية حقوق الإنسان، وأن «جون ماكين» من سلالة الـ« ماما تيريزا»
الأزمة فتحت مجالاً جديداً لـ «الاستثمار» بعد أن أصبح البكاء على الدم السوري عند هذا وذاك أداة تسويق «المشروع» السياسي سواء كان لديمومة الفساد «الوطني»، أواستجلاب «ديمقراطية» السيارات المفخخة و«العلاج» في مستشفيات تل أبيب، فالحرب يجب أن تستمر وهي الحقيقة الوحيدة، هي الخيار الوحيد لثأر هذا «الوطني» أو ذاك «الديمقراطي».
المفجوعون في سورية.. الأب القادم من أقاصي البلاد مضمخاً بعبق الحنطة يدق كل الأبواب سائلاً عن ابنه المعتقل «المتهم» بالتظاهر، ابنة البحر التي كانت تنتظر حبيبها العسكري الغائب فخطفت من قبل خفافيش الإرهاب، المرأة المهجّرة في «منتجع» الزعتري التي تحلم بالعودة إلى ما تبقى من منزلها الدمشقي، كلهم باتوا يريدون مخرجاً..
في الدراما التلفزيونية السورية التي عالجت «حرب البسوس»، سعت بعض القبائل إلى الصلح بعد سنوات وسنوات من القتال، فذهبت إلى الزير سالم يسألون عن شروطه بقبول الصلح باعتباره «صاحب دم»، فأحالهم وهو مخمور إلى اليمامة بنت كليب، فاشترطت المفجوعة بأبيها قائلة: «أريد أبي حياً..! فما بال «ثوار» الفنادق، وأصحاب «النخوة الوطنية» المقلوبة على رأسها يعملون بهذا المنطق ويرفضون الحل السياسي، ولا كلام لهم سوى التذكير بالدم؟