باص جنيف يسير على «خط الزمن»
منذ أن بدأ الحديث بصورة جدية عن اقتراب موعد جنيف، وبرزت التساؤلات حول الوفود وكيفية توزيع المقاعد، وما ستكون الأهداف والتوقعات من المؤتمر، حتى ارتفعت موجة من السخرية اللاذعة: حكمت عليه بالفشل قبل حدوثه وحولته موضوعاً للتهكم والضحك.
كان تنظيم نشاط «باص جينيف 2» على الفيسبوك أول تلك المبادرات، وتنحصر فكرته بتخيّل باص الذاهبين إلى المؤتمر شبيه ب«باص السكانيا» المخصص للرحلات، يضع أصحاب الفكرة شروطاً «مضحكة» للصعود إلى متنه: «راكب ع جنيف.. عل طريق ما مننزل ها! المعارضين بيقعدو عل يمين، والمؤيدين ورا. ممنوع شد الشعر أثناء الرحلة ..ممنوع التكلّم مع السائق .. ممنوع استعمال القنابل اليدوية أثناء ممارسة الحوار». ويضيف المشاركون في النشاط قائمة نكاتهم مستخدمين جميع الاستعارات المتعلقة بالحافلات والسفر ويسقطونها على السياسيين المشاركين في المؤتمر. في المحصلة يصوّر هذا النشاط المشاركين المحتملين في المؤتمر أو الداعمين له كحشد أهوج وغير متحضر، سيعود خائباً، أو يستخدم الباص كوسيلة للوصول إلى جنيف للحصول على اللجوء أو التمتع بوجبات الغداء!
في المقابل وعلى صعيد شعبي ملموس– وبالرغم من وجود شرائح من المتشككين أو الرافضين للمؤتمر- يمكن لمن يصيغ السمع لأحاديث الناس في الشارع أن يتلمس وجود اتجاه مختلف تماماً؛ قد يلاحظ نظرة شديدة الوردية إلى المؤتمر، تكاد تكون غير منطقية، بوصفه عصاً سحرية ستقلب الموازين بين ليلةٍ وضحاها وتعيد المهجرّين إلى منازلهم،توقف المعارك، تتنصر على داعش، وتخفض الأسعار!
بالرغم من أن الاستسلام لحالة السخرية قد يكون مغرياً للبعض، فالنكات لا تنضب!. بالرغم من أن الفكاهة تعكس حالة الخيبة، وفقدان الثقة بالقرارات الدولية وتأثيرها أو بالأطراف التي تدعي تمثيلها الشعب السوري. إلا أن ذلك يعكس أنه من الصعب على بعض شرائح «المثقفين» والطلبة والنشطاء السياسيين الاعتراف بواقع الحال، والنظر إلى جنيف باعتباره الصورة الحقيقية لحجم القوى السياسية الفاعلة والتيارات المتشكلة في البلاد، هي صورة قد تكون مخيّبة للبعض، خاصة أولئك الذين امتلكوا أحلاماً وردية «بالإسقاط» أو «الحسم» في غضون عدة أيامٍ أو حتى ساعات. إلا أنها حقيقية، وتبدو لشرائح واسعة من السوريين المخرج المتاح الوحيد، أو الخطوة الأولى في طريق طويل. إنها لخسارة حقاً أن يكون الانتصار الوحيد للبعض اليوم، تكرار المزاح الممجوج الممل الذي لا يعكس سوى الانكسار والضعف والتعامي عن الواقع.
إذا ما قيمنا الاتجاهين السابقين معتمدين «خطاً للزمن» سنجد أن جماعة المشاركين في صفحة «باص جنيف» عالقون في حالة التباكي على الماضي والخسارات، أو غارقون في مستنقع الحاضر والألم اليومي، فيما يشخص المترقبون «لجنيف» (بما يمثله من اتجاه نحو تبني الحلول السياسية) أنظارهم نحو المستقبل، نحو الحلول، نحو النتائج، ينشغلون بالغد وإن كانت «نظرتهم الوردية» تلك مادةً للسخرية في نظر البعض. فهم اختاروا طريق الحلول السياسية، وسيصعدون إلى متن هذا الباص ولن يتوانوا عن تبديل هذه الحافلة بأخرى إن خيبت أملهم حتى يصلوا وجهتهم.