لا حرية دون أنثى!
الرواية جميلة جداً، لكن النعاس أقوى من رغبتي في متابعة قراءتها، وضعتها جانباً، أطفئت الأنوار وفتحت النافذة لأختم سهرتي بنظرة إلى شباكٍ ربما من تقف خلفه هي سبب صمودي أمام متاعب الحياة، أطلقتُ صفارة لا يفهم معناها سوى ذلك الخيال الأنثوي على الشباك المقابل، لكن سرعان ما ابتعدتُ عن الشباك بسرعة، حين أصبح الظل لديه شاربان، تباً لقد لاحظني أباها.
أرسَلَت الشمس خيوطها الأولى، فأطلقتُ صافرة طويلة فَجَرَت جميع البراكين في داخلي، أخذتُ الرواية لأكمل قراءتها.
ما هذا الصوت الصادر من الطابق العلوي، يبدو أنه جارنا ثانية، وقد اختلف مع زوجته على أمر ما، إنني وحيد في منزل خالتي، الذي لا يبعد عن بيتنا سوى بضع أمتار، هي مسافرة وقد تركت المفتاح هنا حتى لا يقتحمه أحداً بحجة وجود «خلايا نائمة»، السكون جميل قبل أن يطلع الصباح بساعتين، لكن ليس مع صوت جارنا المزعج الذي يردح: «صحيح أنو النسوان بنص عقل».
أكره هذه التعبير، يستهزئون بالمرأة ويترامون عند اعوجاج خصرها!، ويتساقطون حيث تضع أناملها. ساد الصمت برهة، ثم أتى رد الفتاة.. لم أفهم ما قالته، لكن الرجل استشاط غضباً وبدأ بالصراخ، وهو يرمي بأشياء ثقيلة وأخرى مصنوعة من الزجاج، يبدو أنه لم يعد قادراً على ضبط أعصابه، وخشيت أن يتسبب لها بأذية ما، لبست قميصي وتوجهت نحو الممر، وعندما وضعت يدي على قبضة الباب، «ألن تكف عن التدخل في شؤون الآخرين؟» قلت في سري.
لم يكن بوسعي سوى الاكتفاء بمراقبة ألم الفتاة، والاستماع لرنين اللكمات القوية على جسدها. توَقَفَت عن البكاء ورَكَضَت نحو الشباك، فاختفى صوت اللكمات، «اخرسي، فإن سمع الجيران نباحك، تكونين طالقة بالثلاثة»، أعرف جارنا حق المعرفة، يعتقد أن صوت امرأته عورة حتى ولو كانت تصرخ ألماً!.
همستْ «دعني أتكلم مع أبي»، أخذ الهاتف المحمول من يدها وقال: «أنا سأكلمه وأخبره أنه لم يربيك كما يجب»، بعد دقائق، أعطاها الهاتف «هل سمعت؟ قال لي تصرف معها كما تريد، فقبرها بيت زوجها، ألا تعلمين أنه غير قادر على إطعامك إن رجعتي إليه مطلقة!» .
مَسَحتُ لحيتي بقسوة، تذكرت رجال حارتي، أغلبهم يعتقد أن بضع شعرات تنمو على الوجه تُخَول للرجل أن يضرب المرأة، تذكرت أمي، وآلام المخاض التي عانتها عند ولادة أختي كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها بأم عيني وجع المخاض وآلامه، ما قيمة رجولتي أمام من تنجب عشرة أطفال؟ وهل يسمح الفقر للآباء أن يرموا بناتهم في أحضان متوحشة؟ عاودت النظر حيث كان يقف الخيال الأنثوي، وبدأت أكلم نفسي كالذي فَقَدَ عقله، نطقتُ بالكلمات التي أرسلتها لحبيبتي: «أتعلمين يا حبيبتي لماذا أعشق الحرية؟ لأن الحرية أنثى.. أتعلمين لماذا أعشق الأنثى؟ لا حرية دون أنثى»، تداخلت أفكاري وأفكار الرواية بين يدي «نعم أعشق جميع النساء، فالمرأة ليست جنساً فقط».