«أبلة فاهيتا» وحرب الدمى المتحركة
شغلت وسائل الإعلام الأسبوع الماضي حادثة «طريفة» شكلاً، نالت القدر الكبير من التحليل والسخرية. بدأت الحكاية حينما استخدمت شركة الاتصالات المصرية«فودافون» في أحد إعلاناتها الجديدة دمية «الأبلة فاهيتا» المشهورة «إعلامياً» في مصر، والتي يحظى برنامجها على اليوتيوب منذ 2011 بانتشار وجماهرية مرتفعة.
لتستضيف بعد ذلك قناة «الفراعين» التي يديرها الإعلامي توفيق عكاشة، المدعو «أحمد سبايدر» الذي يصنف نفسه باعتباره إعلامياً وناشطاً سياسياً مؤيداً للرئيس المخلوع حسني مبارك و«فاضح الخونة والإخوان والطابور الخامس»، ليعلن بأنه «فك شيفرة أكبرمنظومة تجسسية في مصر» على لسان الدمية، وبأنه تقدم ببلاغ للنيابة العامة في مصر ضد شركة «فودافون» متهماً الدمية بـ«العمالة والخيانة العظمى والتخطيط لتفجيرات إرهابية». استجابت النيابة العامة للبلاغ واستدعت بعض مدراء شركة الاتصالات لسماع أقوالهم، ما أثار موجة استنكار كبيرة في الصحف والوسائل الإعلامية العربية والعالمية، حملت عناوين من قبيل «دمية تهدد الأمن القومي في مصر»، ساخرين من الدرك الذي وصلت إليه الحكومة المصرية في «خوفها من الكوميديا». ولم تقف عبثية مشهد الإعلام المصري هنا، بل تجاوزت ذلك لحد تنظيم الإعلامي «خيري رمضان» مناظرةً تلفزيونية بين «أحمد سبايدر» و«أبلة فاهيتا»، أو استضافة «محمود سعد» الدمية لسماع أقوالها. إضافة لمئات حملات التضامن الساخرة مع الدمية كان أبرز وجوهها «باسم يوسف».
إذا ما أراد المرء الذهاب أبعد من «الصورة المبسطة» التي عالجت فيها وسائل الإعلام هذه الحادثة، آخذاً بالاعتبار بعض المؤشرات الهامة؛ أولها دلالة انشغال «الواشنطن بوست» و«الإندبندنت» و«وكالة الأسوشيتد برس» بالقصة، حينما اعتبرت الأخيرة في تقريرٍ لها (ربما يكون أخطر ما كتب في تحليل الحادثة) أن مصر تعيش «حالة خوف هستيري من المؤامرة والطابور الخامس الذي دعم الإخوان بشكل غير مباشر بعد ثورة 25 يناير». وذكر التقرير بصورة «غير عرضية» حوادث مشابهة كإلقاء بعض المواطنين المصرين القبض على طائر «لقلق» لاشتباهه بأنه يحمل جهاز تجسس، أو إرجاع ظهور سمك القرش في المتوسط لمؤمرة إسرائيلية، جاعلين في تقريرهم الأمر يبدو كحالة «هذيان جمعي» وغير منطقي، تقع ضحيته كل من جماعة الإخوان المسلمين «المسكينة» التي تدفع ونشاطيها ثمن تراجع حريات التعبير في مصر!.
يمكن أيضاً التساؤل حول دلالة تسليط الضوء على «أحمد سبايدر» الذي يظهر أعراض «فصام»، وينشغل في فك شيفرات ورموز خفيّة وراء نبتة صبّار وكرة حمراء! ما يجعل أي حديث عن المؤامرات والاختراقات والرسائل المبطنة التي تروّجها وسائل الإعلام تحت ستار الكوميديا ضرباً من الجنون ومحطاً للسخرية. وهو الأمر الذي يعيد إلى أذهاننا حادثة «حبوب الهلوسة» التي سطحت دور قناة الجزيرة ومساهمتها في التلاعب بالوعي الجماهيري أثناء الأزمات، بالرغم من أن الواقع أظهر في ما بعد أن الجزيرة غذّت حالة الهلوسة والاضطراب الجماهيري ولو مجازاً.
قد لا تحتاج وسائل الإعلام اليوم إلى إرسال شيفرات على ألسنة دمى تحركها الخيوط لأجهزة الاستخبارات الخارجية، إلا أن ذلك لا ينفي بأي حال، أنها ومن خلال تمويلها ورسائلها المبطنة والعلنية، تشكل المنفذ الأهم للاختراق والترويج للأجندات السياسية التي تشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومي في مصر وأي بلد آخر، وأن ذلك ليس دعابة!